بعد شهر من الانقلاب البرلماني باراغواي: الرئيس الشرعي يتحدث عما كان وما سيأتي..
رشيد غويلب رشيد غويلب

بعد شهر من الانقلاب البرلماني باراغواي: الرئيس الشرعي يتحدث عما كان وما سيأتي..

في 21 -22 حزيران الماضي أزاحت الأكثرية اليمينية  بانقلاب برلماني رئيس باراغواي  اليساري المنتخب «فرناندو لوغو» بحجج واهية تمحورت حول اتهامه بسوء الإدارة، ونصبت نائبه »فرناندو فرانكو» خلفاً له، وقد أدى الانقلاب إلى اندلاع حركة احتجاج واسعة تطالب بعودة الرئيس إلى مزاولة مهام عمله، وإلى عدم اعتراف أغلبية بلدان أمريكا اللاتينية برئيس الانقلاب، وخصوصاً دول الجوار  بوليفيا والبرازيل والأرجنتين، وما زالت أزمة الحكم تتفاعل. ويذكر أن «لوغو» انتخب عام 2008، منهياً حكم اليمين المحافظ للبلاد الذي استمر 61 عاما، وواجه منذ بداية رئاسته صعوبات مع الأكثرية اليمينية في البرلمان، وبعد شهر على ما حدث أجرت جريدة «اليونغه فيلت» الألمانية  في عاصمة باراغواي لقاءً هاماً مع الرئيس الشرعي تحدث فيه عما كان وما سيأتي، وفي ما يلي أبرز ما ورد في الحوار:

يقول الرئيس: «يمكن أن نصف عملية سحب الثقة بالانقلاب البرلماني ويمكن أن نسميه باللكمة السريعة وهناك الكثير من الأسماء التي يمكن أن نطلقها على هذا النوع الجديد من الانقلابات، الذي يختلف عن انقلابات فترة السبعينيات، فلا وجود لدبابات أو موتى في الشوارع. والانقلابيون يسعون لإعطاء فعلهم شرعية قانونية،  ولكن كل هذا لا يغير من حقيقة أننا إزاء خرق لمبادئ الديمقراطية، وبأن ما حدث كان انقلاباً».

جغرافية سياسية

ويرى «لوغو» أوجه  شبه مع الانقلاب الذي نظم  في هندوراس في عام 2009، وأزيح على أثره الرئيس «مانويل زيلايا» من منصبه: «في كلتا الحالتين تم انتهاك المبادئ الأساسية للديمقراطية، وتم إنهاء حكم الرئيس بوقت مبكر». ولكنه يرى أيضا فارقا كبيراً: «في هندوراس يمكننا الحديث عن انقلاب عسكري من نوع انقلابات السبعينيات لاستخدام الجيش في تنفيذه. وهناك أيضا اختلاف في السياق الجيو-سياسي، ففي أمريكا الجنوبية هناك بعض النتائج المهمة على طريق الوصول إلى شكل  للتكامل الإقليمي، مثل اتفاقية التجارة المشتركة، التي تعطيها  منظمة (Celac) لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، باستثناء الولايات المتحدة وكندا، في السنوات الأخيرة  الأولوية، ولم يكن لهذا الحدث هذه الأهمية عند تنظيم الانقلاب في هندوراس. واعتقد أن هذه المنظمة تمثل البديل الإقليمي لمنظمة الدول الأميركية (OAS) التي يتضاءل تأثيرها بسرعة. ووجود الاستقطاب الحالي: كندا والولايات المتحدة والمكسيك من جهة، ودول أمريكا الجنوبية من جهة أخرى، يدلل على  المحاولات الرامية إلى إيجاد بدائل إقليمية. والانقلاب هو هجوم على محاولات التكامل الإقليمي».

وبخصوص الصعوبات التي تواجه الانقلابيين يقول «لوغو»: «من الممكن جغرافيا وسياسيا أن تقيم بلدان مثل شيلي وبيرو وكولومبيا اتفاقات ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. ولكن بالنسبة لباراغواي  سيكون ذلك صعبا، لعدم امتلاكنا لمنافذ بحرية، والأنهار  التي تمر بالبلاد  مشتركة مع بلدان الجوار. ونحن نعتمد على البرازيل والأرجنتين في نقل البضائع برا، فضلا عن  فقدان باراغواي الرقابة في سنوات الليبرالية الجديدة، خلال التسعينيات  على شركة الخطوط الجوية، كل هذا يجعل من الصعب القيام بأي نشاط دون التعاون مع الدول المجاورة».

 الشعب لا يعترف برئيس الانقلابيين

وعلى الرغم من أن «لوغو» لا يملك السيطرة على الحكومة، إلا انه يعتبر نفسه  رئيسا  شرعيا للبلاد: «المسألة الأساسية أن الشعب يعتبرني الرئيس الشرعي، يمكن أن تكون لرئيس الانقلابيين سيطرة رسمية على الجيش والشرطة، ولكن هذا لا يعني أبداً أنه يستطيع  السيطرة على الشعب. ولدينا قناعة تامة بأن قرار الشعب مستقل حول شخص الرئيس. وهل يحكم فرناندو فرانكو البلاد حقاً؟ أنا اشك بذلك. والشرعية الدولية لا تزال تعتبرني الرئيس الشرعي للبلاد، وهذه مسألة مهمة جداً في الوقت الحاضر، وتعتبر العامل الحاسم تقريباً».

وسبق لرئيس الانقلابيين أن أعلن بعد الثاني والعشرين من حزيران بوقت قصير أنه سيطلب مساعدة الرئيس المعزول للحيلولة دون إصدار قرارات ضد باراغواي. ويجيب «لوغو» على ذلك قائلاً: «أعتقد أن غالبية الناس سيتفهمون عدم تعاوننا مع منظمي الانقلاب».

وينصح المراقبين في الخارج قائلاً: «إذا أراد المرء دعم العملية الديمقراطية في البلاد، فالطريق الأفضل هو متابعة ما يجري هنا. وعندما تنشر وسائل الإعلام ما يحدث في البلاد، فأعتقد أن ذلك سيساعد في الغالب الديمقراطية في باراغواي».

في عام 2013 يحل موعد إجراء انتخابات الرئاسة وفق الاستحقاقات الدستورية،  وتركز منظمة البلدان الأمريكية بقيادة الولايات المتحدة على ماذا يمكن أن يحدث، وهل ستجري الانتخابات. ولكن «لوغو» يعتقد أن ذلك ليس كافيا، ولا يمثل الطريق الصحيح: «هناك إشكالية في النظر دائما إلى المستقبل فقط، وعدم تفحص ما يحدث هنا والآن، وهذا يعني أن لا ننسى أن القابضين على زمام السلطة لا يمتلكون شرعية الحكم، وان الوضع القائم ليس صحيحا، ولذلك سنواصل التركيز عن كثب على ما يحدث».

ومن المفيد التذكير بالأسباب الحقيقية التي وقفت وراء عزل الرئيس الشرعي والتي يمكن اختصارها في أن «لوغو»  قدم خدمات للغالبية العظمى من أبناء شعبه وتقاطع مع الإقطاعيين الكبار ومافيا المخدرات التي حكمت البلاد 61 عاما، لقد وفر الرئيس الخدمات الصحية المجانية لجميع أبناء الشعب، وأصبح بإمكان الأطفال في المدارس الحصول على وجبة  فطور مجانية، واعتمد التحسين التدريجي لنظام التعليم، وقاد حملات ناجحة لمحو الامية، وأقر قانون تقاعد للمحتاجين، وأسوأ «جريمة» له من وجهة نظر الطبقة العليا هي حربه ضد الفساد، وبدء حملة  لتنظيف الجهاز القضائي، ومحاولته دفع الإصلاح الزراعي إلى أمام، وكشفه عن عمليات  الفساد الإداري والمالي والاختلاس واسعة النطاق.

عن «طريق الشعب»