أما من سبيل إنقاذ الوطن
أن نتحدث عن عداء الولايات المتحدة الأميركية لمصالح الشعوب، فذاك أمر بدهي، أن تكرر أن الولايات المتحدة تعمل على تفتيت الدول وتقسيمها فهذا عين الحقيقة، أن تتحدث عن أنها تغذي الحروب القبلية الطائفية فهذا ما يؤكده تاريخ الكثير من الدول ويدعمه حاضرها.
ورغم أهمية كل تلك الأفكار إلا أنها تظل منقوصة ولا تؤدي الغرض المعرفي العلمي والاجتماعي، ذلك لأن الخريطة المعرفية في تلك الحالة تبقى غائبة. إن ترسيخ تلك الأفكار في الوعي الاجتماعي يتطلب أن نبرهن على ذلك بالاستناد إلى أن حكومات الولايات المتحدة تمثل مصالح الاحتكارات الكبرى، ومهمة تلك الحكومات هي استمرار مصالح الاحتكارات، أو بعبارة أخرى استمرار علاقات الانتاج الرأسمالي، ويقودنا الأمر، ما دمنا نتمتع بجدية فضح خطط الولايات المتحدة الأميركية إلى أن يتلازم كل ذلك مع تزويد الوعي بالقوى الرأسمالية في كل بلد والتي تنتهي أمورها عند الاندماج بمصالح الاحتكارات. إن المرحلة الراهنة قطعت أشواطاً في مضمار تاريخ التحرر الوطني ولم تعد كافية كلمة أجنبي أو مستعمر لأن الوجوه المتقابلة باتت وجوهاً من وطن واحد.
إن المعارف السياسية المبتورة عن أسسها النظرية تنعكس في الذهن الاعتيادي بأقوال تنتهي إلى توصيف موقف الولايات المتحدة الأميركية من هذا الحاكم أو ذاك. ويغيب عداءها لمصالح الشعب ناهيك عن أن العداء المبني على أسس علمية للولايات المتحدة واحتكاراتها يتعدى الاختلافات السياسية إلى الاختلاف على نموذج العلاقات البنيوية. سقت ذلك للقول أن الوضع المعقد في سورية تجد فيه مصالح الاحتكارات الكبرى مادة ملائمة للوصول به إلى حرب أهلية، وقد جرى تنويه لذلك من قبل مسؤولين سوريين، ولعل المرء لا يجانب الحقيقة إذا قال إن نذور وقائع تلك الحرب قد بدأت تجد وقائعها الملموسة التي تنعكس في الوعي الاجتماعي لتمعق الطائفية وتزيد التفتيت الاجتماعي وتأتي على الوحدة الوطنية التي اصبح الحديث عنها دعوة تزعزعت أسسها الموضوعية الاجتماعية. وما من شك أن أي وطني معارض أو غير معارض تلح عليه مهمة كبيرة وهي تلمس السبل لإنقاذ الوطن.
إن الأشهر التي مرت على بدايات الانفجار تشير بوضوح إلى أن الأزمة تعمقت وأن القتال اتسع نطاقه الجغرافي وتنوعت أسلحته وازدادت أعداد المسلحين، وارتفع عدد الضحايا، وتراكم التدمير هنا وهناك، ويبدو أننا اطمئنينا إلى تكرار الإدارات الأوروبية والولايات المتحدة أنها لن تتدخل عسكرياً بسورية على غرار ليبيا. ويبدو أنه غابت معاني الخصوصية السورية التي أوصلت الخطط الأميركية إلى اعتماد حرب طويلة تأتي على الأخضر واليابس وتوصل القوى كافة إلى حالة وهن شديد في الميادين كافة، ويراكم ذلك عوامل استسلام مختلف الأطراف لإرادة الدول الإمبريالية، ثم إن تلك الحالة السورية الخاصة يمكن اعتمادها بحيث يتسع نطاق الحرب إقليمياً وتتحول الأراضي السورية إلى ميادين قتال بين الآخرين ويظل وقودها الشعب السوري بمواليه ومعارضيه.
إن هذه المخاطر لم تعد أوهاماً وتدعو إلى وضع المسألة بوضوح ألا وهي أنه ما دامت الخطط التي نفذت بمكوناتها الأمنية والسياسية لم تنقذ الوطن بل أغرقته أكثر في غياهب مظلمة، ما دام الأمر بوقائعه الملموسة ينذر بذلك الخطر فإن إنقاذ الوطن يتطلب استراتيجية سياسية تقطع الطريق على الخطط الأميركية، أو بكلام لا لبس فيه أن يجري اعتماد استراتيجية سياسية جديدة وتكتيك أمني جديد.
إن الخطوة الأولى هي الإسراع، ودون إبطاء لوضع دستور جديد، ويشكل ذلك ضربة أولية لفرز الغث من السمين، ولا يستغرق وضع دستور جديد أكثر من /15/ يوماً وأصبح ذلك ضرورة من شأنها الإسهام في عزل القوى المتطرفة ويؤسس لمصداقية القوانين الإصلاحية التي صدرت والتي مازالت قوانين لا دستورية.
إن الوضع الآن يتطلب ليس منع التظاهرات، ولا التصدي لها، مهما كان تأثيرها الاجتماعي، إن الوضع الآن يتطلب خطة أمنية تميز بعمق بين المظاهرات السلمية وعدم التعرض لها، وبل حمايتها من جهة، وبين مجموعات المسلحين من جهة أخرى، إن استمرار نهر الدم لن يؤدي إلا إلى تقوية المسلحين اجتماعياً، ويرسخ الشعارات المتطرفة، أما عدم التعرض للمظاهرات مهما كانت الشعارات في بادئ الأمر، فإن ذلك سيقود إلى حالة جديدة وهي ابتعاد الجماهير الشعبية عن مجموعات المسلحين ثم إدانتهم، وتنفتح آفاق للاصطفاف ضدهم والمشاركة في ملاحقتهم وتضيق الخناق عليهم.
لسنا في وارد إلا ما هو أساسي وخاصة تشكيل حكومة وحدة وطنية يشغل فيها الوطنيون الديمقراطيون الوزارات والحقائب المرتبطة بالعملية الانتخابية التي تتناول مختلف المستويات باعتبار أن سورية دخلت مرحلة جديدة ووضعت دستوراً جديداً يجب ما قبله ويتطلب انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة تحت إشراف لجنة من الحقوقيين المستقلين، أي أن الانقاذ الوطني يتطلب خطوات من شأنها تكوين الثقة بما يجري وأنه حقاً يدخل في اساس عملية أن الشعب ينتخب ممثليه ويحاسبهم.
إن الإنقاذ الوطني، هو في جوهره أيضاً إنقاذ لحزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، خاصة وأن العمليات السياسية تتأسس على انتفاء الامتيازات لأي حزب، ومما يلفت الانتباه أن لا مصلحة آنية أو مستقبلية لحزب البعث إذا ما ترسخ في الأذهان أن قيادة البعث للدولة والمجتمع انتهت بعد عشرات السنوات إلى حرب طائفية.
أما الأهمية البالغة فهي للإعلام الذي ينبغي أن لا يكون إعلاماً «مقاتلاً»، فذلك يؤجج الطائفية، ومن الأفضل عدم الدخول في تفاصيل الشهداء حيث يكتفى بعددهم ومحافظاتهم دون رتبهم وقراهم.
إن الأخذ بالديمقراطية شكلاً لتأدية السلطة السياسية يفرض مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات ديمقراطية وشفافة ونزيهة وتؤدي إلى تشكيل السلطات السياسية الثلاث.
إن الدماء لن تؤدي إلا إلى عواقب وخيمة وأن الانتصار على الخطط الأميركية يمر قبل كل شيء بمختلف الإجراءات السياسية التي تحقن الدماء وإلا فإننا نرسخ الضروريات لإنجاح الخطط الإمبريالية، شاء من شاء وأبى من أبى.