شاليط فقط سينام الليلة!
فيما سيقاوم ألف وسبعة وعشرون محرراً ومحررة، توقهم للنوم على فرشات طبيعية.. من سينام الليلة؟
محررون يريحون رؤوسهم على شواهد قبور آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأبنائهم، فارقوا الحياة مكسوري الخاطر، وهم يحتضنون صورا بألوان باهتة، مؤطرة ببراويز عتيقة، صورا لأشخاص يشبهونهم قليلا الآن.
محررون يكابدون ألواح الثلج التي ثخنت بينهم وبين زوجاتهم، اللائي تبدلت عيونهن كثيرا بفعل البكاء، يتلمسون جلودهم الغائبة عن الوعي من سنين، ويجاهدون لاستحضار أحلام السجون.
محررة تحوم خلف صغيرها الذي خبأ وجهه في حضن عمته، ينظر من طرف عينه إلى سيدة هزيلة القوام، شاحبة الوجه ويسأل: أحقا هذه أمي؟ فيما تدفعه جدته إليها غصبا، ليشتم حنينها المأزوم، والذي بدأ ينزف من تحت قميصها، حليبا وهي في سن الأربعين!
من سينام الليلة؟
بعضهم قرروا أن يرموا بأجسادهم المثقلة بحمى السلام على أناس لا يعرفون نصفهم، أسندوا رؤوسهم على وسادات نظيفة. وبحكم العادة نظروا إلى فوق، فلم يجدوا إلا الهواء.. بدؤوا يتحسسون سقفهم الفارغ بحثا عن أسرة رفاقهم المزعجين، الذين لم تخل ليلة واحدة قبل هذه الليلة من شجار معهم.. أطفئ النور.. لا «تخشخش» بالجريدة.. ماذا تفعل أعقاب سجائرك على لحافي.. بالله عليك لا تغني.. سئمت من قصة بنت جيرانك.. يا رجل نام.. مشان الله ناااااام!
دقيقة واحدة أو أقل، ويستيقظون فزعين على دموع ملأت مآقيهم وسحلت إلى آذانهم، التي تستدعي أصواتهم!
أراهنكم أن واحدا من هؤلاء المحررين، أكمل كأس شايه الجديد إلى آخره! أراهنكم أنهم أخطؤوا بإخوانهم، ونادوا عليهم بأسماء رفاقهم هناك. أراهنكم أن الصبح سيطلع عليهم وهم يستغفرون لربهم، حتى يسامحهم على لحظة تمنوا فيها أن تكون أسماؤهم ضمن قائمة التبادل وتكاسلوا عن الدعاء للآلاف الباقين!
من سينام الليلة؟
وبقية الأسرى يمضون ليلهم يضحكون على قصص صنعتها خيالاتهم، لأصحابهم الذين سيرتبكون أمام صواني ورق الدوالي، ومساحيق تجميل نسائهم!
سيتكومون أمام شاشة التلفاز، يرقبونهم وهم يقبلون الأرض فور نزولهم من الحافلة، ويحسدونهم لأنهم قابلوا «وليد العمري» وجها لوجه!
سيحضرون الشاي نفسه، ويحسبون حسابهم وكأنهم موجودون معهم.. سيلصقون وجوههم بالقضبان ذاتها، ينادون على أسمائهم، بفعل العادة، خوفا أن ينسوها مثلا! سيفرحون لهم كثيرا، ويتمنون أن يطلع عليهم أول نهار وهم بعيدون، يستعجلون خطاهم إلى قرى أصحابهم، ويدقون على أبواب أهلهم المكلومين، يسلمونهم الصور والرسائل، ويتناولون معهم فطورا كان معدا لآخرين، لم ينفدوا بعد!
وباختصار شديد الحرية لجميع الأسرى في السجون الإسرائيلية..