كوريا الديمقراطية ..تاريخ من التحدي

كوريا الديمقراطية ..تاريخ من التحدي

في عام 1965 زار تشي غيفارا مدينة بيونغ يانغ وصرح للإعلام آنذاك أن «كوريا الديمقراطية هي النموذج الذي يجب على كوبا الثورية أن تطمح إليه»

تاريخياً شكلت كوريا الديمقراطية حالة متمردة رفضت الانصياع والاحتواء ضمن مظلة النيوليبرالية وعولمتها، حالة كان لها أسسها الموضوعية وهي إرث الاتحاد السوفييتي الإيديولوجي، ونموذج حكم حزب العمال وزعيمها الراحل كيم ايل سونغ الذي كان نهجه الأساسي الاعتماد على الذات في الحكم، وهذا ما وضعها في موضع المعاقب والمغضوب عليه دولياً.

اليوم وبعد المناورات العسكرية (الأمريكية - الكورية الجنوبية) الاستفزازية في شبه الجزيرة الكورية، واستمرار فرض العقوبات الدولية عليها تتخذ كوريا الديمقراطية موقفاً استثنائياً في التاريخ الحديث بتهديدها العسكري الصريح لأهداف أمريكية، الأمر الذي يعتبر أكبر تحدٍ واجهته الإدارات الأميركية على صعيد الأمن القومي الأميركي منذ أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا عام 1959، وهذا ما جعلها في مرمى الهجوم الإعلامي الغربي المكثف، فرئيسها أصبح مادة يومية للانتقاد الهزلي والمتبذل من ذلك الإعلام، بينما تناول البعض مشكلاتها الاقتصادية بقراءة سطحية لتصبح دليلاً على دكتاتورية النظام الحاكم وفشله بمقارنتها مع جارتها الجنوبية.

جذور الصراع

بعد الإطاحة بالاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية (1910- 1945) من المقاومة الكورية، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض سيطرتها على الممتلكات الاستعمارية اليابانية السابقة، بما في ذلك كوريا، ولكن دخول الاتحاد السوفييتي الحرب في منطقة البحر الهادئ أعاق تنفيذ ذلك المخطط بالكامل، فتم التوصل إلى تسوية بتقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى منطقتين شمالية تحت إدارة الاتحاد السوفييتي وجنوبية خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة.

في تلك الفترة وحتى منتصف الستينيات نمت كوريا الديمقراطية بوتيرة أسرع من جارتها الجنوبية، ففي العشر سنوات التي أعقبت الحرب نمت الصناعة بنسبة 25% سنوياً، ومنذ عام 1965 وحتى عام 1978 نمت بنسبة 14% سنوياً. لتصبح بيونغ يانغ عام 1980 واحدة من أكثر المدن تقدماً في آسيا، وهذا ما أقلق الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أثبت نموذج الحكم الاقتصادي في الشمال أنه أكثر تفوقا من النموذج الاقتصادي الأمريكي المطبق في الجنوب، فبدأت تتبع أسلوب تضييق الخناق المستمر على كوريا الديمقراطية وتقديم الدعم والأموال لكوريا الجنوبية وتزامن ذلك مع ظهور ملامح الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي.

في عهد غورباتشوف انتهج السوفييت سياسة خارجية تسعى إلى تسوية مع الولايات المتحدة وذلك بالتخلي عن جزء من الحلفاء القدامى، ثم تم قطع العلاقات التجارية بين السوفييت  وكوريا الديمقراطية في عام 1988 حتى 1992 . جفت أسواق التصدير لكوريا الديمقراطية الأمر الذي حرم بيونغ يانغ من حصيلة النقد الأجنبي التي تحتاجها لاستيراد الفحم والبترول، فتعطلت الآلات الزراعية وتراجعت الصناعة، وظهرت أزمة نقص في الغذاء، وتفاقمت تلك المشاكل مع ازدياد عقوبات مجلس الأمن الجائرة وعمل واشنطن المتواصل لمحاصرة كوريا الديمقراطية.

عودة الحلفاء

في السنوات العشر الأخيرة بدأت كوريا الديمقراطية تنهض مجدداً معتمدةً على علاقاتها التجارية مع روسيا والصين التي تشكل ما نسبته 73% من مجمل علاقاتها التجارية، حيث شهد اقتصادها تحسناً في النمو وفي المؤشرات الاجتماعية ففي عام 2000 كان نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% وفي عام 2009 أصبح 3.7%، وعادت إلى العمل بعض الصناعات الرئيسية وهي الصناعات العسكرية، وبناء الآلات، والطاقة الكهربائية والمعادن والمنسوجات..

استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية في السابق أن تمارس سياسة « تكسير الرأس» تجاه كوريا الديمقراطية من خلال الحصار وفرض عقوبات دولية، أما اليوم ومع ظهور الدور الفاعل لدول البريكس على الساحة الدولية، أصبح من الصعب على ما يبدو إنزال العقوبات وممارسة العزل الدولي تجاه كل من عصا وتكبر في وجه الرأسمالية .