قبرص ضحية النيوليبرالية
جوردان شيلتون و كريس مارسدين جوردان شيلتون و كريس مارسدين

قبرص ضحية النيوليبرالية

تسببت شروط الخطة الاقتصادية التي وضعها وزراء مالية الاتحاد الأوروبي لإنقاذ البنوك القبرصية بإلحاق خسائر فادحة في الأسواق المالية التي تراجعت بسبب التوقعات بحدوث انخفاض مالي قريب

التضحية بصغار المودعين

أكد الرئيس القبرصي (نيكوس أناستاسياديس)  في تصريح متلفز في وقت سابق، أن لا مفر أمام نيقوسيا – العاصمة – من الرضوخ لشروط الخطة الأوروبية لكي تتفادى البلاد انهياراً مالياً شاملاً، مشبهاً الأزمة الحالية بالغزو التركي الذي تعرضت له جزيرة قبرص عام 1974، والذي تسبب بتقسيمها.

تنص الخطة الحالية على تقديم حوالي 10 مليارات يورو (13 مليار دولار) للبنوك القبرصية. إضافة لـ 6 مليارات أخرى يتم تحصيلها عبر زيادة الضرائب على الودائع المصرفية بحيث تُفرض ضريبة قدرها 6.75% على الودائع التي تقل عن 100 ألف يورو، و 9.9% على تلك التي تتجاوز الـ 100 ألف يورو. وقد قام المودعون – بالتزامن مع إغلاق البنوك – بإفراغ أجهزة الصرّاف الآلي (ATM)، حيث قوبلت شروط الخطة الأوروبية باستياء و استهجان عارمين في صفوف شرائح شعبية واسعة. هذا ولم تفلح محاولات تخفيف الغضب الشعبي التي قامت بها برلين عبر تصوير التدابير الاقتصادية الأوروبية بأنها موجهة ضد الأوليغارشيين الروس الذين يستخدمون قبرص كملجأ ضريبي.

ألمانيا في مواجهة البريطانيين والروس

إن الفترة الطويلة التي استغرقتها مفاوضات خطة إنقاذ المصارف التي تسيطر على أصول مالية تتجاوز قيمتها 8 أضعاف إجمالي الناتج المحلي، جلبت إلى الواجهة الانقسامات بين القوى الأوروبية الكبرى. حيث جرى إملاء التدابير الرئيسية التي احتوتها خطة الإنقاذ من الحكومة الألمانية، والتي لم تكن ترغب بلعب الدور الرئيسي في تمويل خطة إنقاذ اقتصادية واسعة النطاق. وقد ضغط وزير المالية الألمانية (فولفجانج شويبله) باتجاه فرض ضرائب على المودعين المصرفيين، كما طالب قبرص بزيادة الضرائب المفروضة على شركاتها من 10% إلى 12.5% .

وتهدف هذه التدابير الألمانية – التي ستساهم بنحو 40% من تكلفة الخطة الإجمالية – إلى تعزيز موقف برلين ضد الروس كما تهدف إلى تقليل فرص المستثمرين البريطانيين. حيث يسيطر المستثمرون الروس على ما مجموعه 19 مليار يورو من الودائع المصرفية في قبرص، أي ما يعادل 7% من إجمالي ودائع جميع الشركات الروسية. حيث أصبحت قبرص ثاني أكبر المصادر للاستثمار الروسي الخارجي. لذا، فقد أقامت العديد من الشركات الروسية قواعد لها في قبرص بغرض الاستفادة من المعدلات المنخفضة للضرائب المفروضة على الشركات هناك.

أما بريطانيا – القوة الاستعمارية السابقة – فإنها تنظر إلى قبرص باعتبارها موقعاً استراتيجياً هاماً يؤمن لها وجود عسكري. حيث يصل تعداد القوات البريطانية العاملة في قبرص إلى حوالي 3000 جندي، كما أن البريطانيين يسيطرون على ما يقارب الـ 2 مليار يورو من الودائع المصرفية هناك، إضافة إلى أن حوالي 30 ألف بريطاني يقطنون فيها. وخلف دعوات مكافحة غسيل الأموال والتصدي للسوق السوداء التي تتبناها المعارضة الاجتماعية الديمقراطية –كما تتبناها حكومة ميركل!!– فإن أحد أهداف خطة الإنقاذ الأوروبية هو وضع المستثمرين الروس والبريطانيين في موقفٍ صعب. ومن الجدير بالذكر هنا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بالتنديد بهذه التدابير والإجراءات، واصفاً إياها بالخطرة وغير العادلة أو المهنية.

ذعر وإضرابات وحقوق منتهكة

ومع ذلك، فإن الضرائب المفروضة تضمن أن يُجبر العمال القبارصة على تحمل تكاليف إنقاذ المؤسسات الاقتصادية الفاشلة في بلادهم. إن قراراً مماثلاً لقرار الحجز على أموال المستثمرين يمكن أن يتسبب بحركة مصرفية كبيرة في بلدان أوروبية أخرى خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الخوف والقلق اللّذين يبديهما المدّخرون في كل من اسبانيا وإيطاليا والبرتغال تجاه احتمال الاستيلاء على حساباتهم المصرفية مستقبلاً. وتشكل الحالة القبرصية اليوم إنذاراً مبكراً لما يمكن أن يحصل. فخلال الأسبوعين الأوّليين فقط من شهر شباط الفائت، تم سحب مبلغ مليار دولار أميركي من البنوك القبرصية، وقد ترافق هذا الأمر مع ازدياد التوقعات بفرض الضرائب. كما هي الحال في جميع عمليات وخطط الإنقاذ الاقتصادية، فإن المصرفيين وطبقة كبار الأثرياء هم المستفيدون الوحيدون، بينما تكون المعاناة دائماً من نصيب الطبقة العاملة. إن إنقاذ قبرص – كما إنقاذ اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا – مشروط بإطلاق برامج تقشف واسعة، إضافة إلى عمليات الخصخصة والتي ستؤدي إلى القضاء على الوظائف في القطاع العام، ناهيك عن تدمير الخدمات الاجتماعية. ويجدر التذكير هنا بالإضراب الذي نفّذه القطاع العام قبل يومٍ واحد من انعقاد مؤتمر وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي، وقد ضم هذا الإضراب 16000 من موظفي الدولة. حيث كان هذا الإضراب موجهاً ضد سياسة تجميد الأجور وخفض ميزانية الدولة.

هذا وقد علّق بول كروغمان في صحيفة (نيويورك تايمز) على الأزمة القبرصية قائلاً: «إن فرض الضريبة على المستثمرين ما هي إلا البداية، فعلى الرغم من العجز الحقيقي في سداد ديون الودائع المصرفية، فإن قبرص ستكون بحاجة قرض كبير من الترويكا الأوروبية وسيكون هذا القرض – بطبيعة الحال – مشروطاً بإجراءات تقشفية قاسية يتعين على الحكومة القبرصية القيام بها. وهذا ما يبدو أنه سيكون بداية فترة ألم طويلة جداً ولا يمكن تخيّلها».

• عن موقع أبحاث العولمة Globalresearch.ca