سقوط اليمين الفنزويلي مرة أخرى
بين خيارات التمسك بنهج الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز أو التخلي عنه والعودة إلى أحضان الإمبريالية الأمريكية، حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية الجدل معلنة فوز «نيكولاس مادورو» نائب الرئيس السابق ورفيقه في النضال الثوري، وذلك بنسبة 50.7% من أصوات الناخبين مقابل 49.1% ذهبت لمرشح المعارضة «انريكي كابريليس»
فاز مادورو الذي أعلن عن تمسكه بإرث تشافيز وبرامجه الاجتماعية بالإضافة إلى إطلاقه برنامجه الخاص تحت شعار (الفعالية بأي ثمن)، والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على الفساد في البلاد إلى جانب مكافحة البيروقراطية، جاء بمعناه السياسي تعبيراً عن دعم الشعب الفنزويلي لنهج المعاداة للإمبريالية الأمريكية بحوامله المختلفة السياسية والاقتصادية، والحفاظ على القرار الفنزويلي المستقل والتحالفات الإقليمية والدولية الناشئة.
ديمقراطية الشعوب تنتصر
شكلت نتائج الانتخابات صفعة في وجه المعارضة اليمينية المرتبطة عضوياً بالولايات المتحدة رغم الإمكانات الهائلة الموظفة في الحرب النفسية التي استهدفت هز ثقة الأغلبية الشعبية بإمكانات مادورو الشخصية، وتوفير انطباع مسبق بإمكانية تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية رغم وجود آلاف المراقبين، ووجود نظام انتخابي آلي متقدم. ارتكزت المعارضة في حملتها الانتخابية المضادة بشكل أساسي على ترويج فكرة أن مرشح المعارضة «كابريليس» هو «منقذ» فنزويلا من الجريمة التي تزايدت فيها ضمن خطة ممنهجة لتشويه حكم تشافيز، وهذا ما يعتبر دلالة على إفلاس اليمين المعارض في طرح نموذج حكم وبرامج سياسية اقتصادية واجتماعية بديلة قادرة على استمالة غالبية الشعب الفنزويلي. ومع إعلان النتائج رفضت المعارضة قبول النتيجة على لسان مرشحها «كابريليس» الذي طالب بإعادة فرز الأصوات و رد عليه «مادورو» بالترحيب، لكن الحسم جاء من الهيئة المشرفة على الانتخابات التي أعلنت أن فوز «مادورو» نهائي مضيفة أن هذه النتائج لا رجعة فيها وقد قال الشعب كلمته.
وكانت البلاد قد شهدت حركات احتجاجية للمعارضة أعقبت إعلان النتائج راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى، الأمر الذي يشير إلى نوايا تهدف إلى خلق اضطرابات سياسية في البلاد خلال المرحلة المقبلة، وكان الحزب الشيوعي الفنزويلي قد حذر من محاولات زعزعة الاستقرار في فنزويلا من خلال «قيام اليمين والإمبريالية بمحاولات لوضع كمين للعملية الديمقراطية في البلاد من أجل إثارة حرب أهلية فيها».
الولايات المتحدة ونفاقها المأزوم
كانت الولايات المتحدة قد وجدت في موت تشافيز فرصة لإمكانية التخلص من حديقتها الخلفية المليئة بالأشواك وتطويق النهج المناهض للإمبريالية والمتصاعد في أمريكا اللاتينية، وذلك من خلال إيصال المعارضة إلى الحكم تمهيداً منها لزيادة نفوذها في أمريكا اللاتينية ووضع يدها على النفط الفنزويلي، كذلك الحد من الارتباطات والتحالفات الناشئة في ظل التوازنات الدولية الجديدة وبالأخص ارتباط أمريكا اللاتينية مع روسيا والصين، فأيدت موقف المعارضة على الفور معلنة على لسان المتحدث باسم خارجيتها أنها لن تعترف بشرعية فوز مادورو مطالبة بإعادة فرز الأصوات. هذا التدخل الواضح في الشؤون الداخلية للشعوب وعدم احترام خياراتها هو مؤشر على عمق أزمتها الاقتصادية والسياسية وتراجع لنفوذها العالمي على جميع الأصعدة.
لم تسقط وصية الرئيس الراحل هوغو تشافيز بانتخاب مادورو من ذاكرة الفنزويليين، فمنحوه المنصب الرئاسي ليكرس الثورة البوليفارية، ولتبقى ثورة الكرامة في وجه الإمبريالية العالمية متوهجة خلال السنوات المقبلة في القارة اللاتينية.