التحالف بين الشباب والطبقة العاملة كفيل بانتصار الثورة المصرية
لقد استطاع الشعب المصري بشبابه المتعطش للحرية وللتقدم الاجتماعي أن يحققوا أهدافهم المعلنة منذ أن فجروا ثورتهم والتي كانت تتمحور بإسقاط نظام حسني مبارك الفاسد والمرتبط ارتباطاً عضوياً بالهيمنة الصهيو- أمريكية على مصر وعلى المنطقة عموماً.
ولكن هل انتصر فعلاً الشعب المصري في إسقاط نظامه الفاسد المتعفن العميل أم أن قوى الثورة المضادة ما تزال تقبض في يديها مفاتيح اللعبة رغم هذا الزلزال الذي أصابه إصابة مباشرة.
إن الأحداث تبين أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ببياناته الخمسة قد عطل الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى وهذا لا يشكل إلا جزءاً يسيراً مما كانت الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير وفي سائر المدن المصرية تتطلبه من ثورتها. لقد استند النظام إلى قانون الطوارئ في ديمومته منذ 1980على الرغم من أنه وقع منذ سنتين فقط على اتفاقية العار كامب ديفيد، ولذلك فالأوضاع الأمنية التي سادت بعد توقيع هذه الاتفاقية لم تكن تحتاج إطلاقاً إلى مثل هذا القانون ولكن الأوضاع السياسية والنهب المنظم والفساد الذي استشرى وتطبيق وصفات الصندوق والبنك الدوليين وإتباع سياسة ليبرالية منفلتة من عقالها وبيع القطاع العام وخصخصته بأبخس الأثمان وتجويع الشعب المصري وإجباره على القبول بما هو مفروض عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً والسباحة بسلاسة وحرية مطلقة في تيار التبعية المطلقة لأمريكا والعمل بشكل يومي وجدي على فرض مخططاتها في المنطقة والعمل مع باقي دول الاعتدال العربي على بيع القضية الفلسطينية وخنق الوقوف بوجه أية مقاومة أو ممانعة جدية لها، واستبدال «إسرائيل» بإيران كعدو يشكل تهديداً مباشراً للأنظمة العربية، كل ذلك كان يتطلب من النظام أن يفرض قانون الطوارئ سيئ الصيت كي يكون إطاراً ضامناً وستاراً قادراً على تمرير تلك المخططات والسياسات التي جعلت من النظام في تبعية كاملة وشاملة لأمريكا وإسرائيل..
ثورة الشعب المصري وشبابه في وضع حرج وخطير بعد أن منح المجلس العسكري الذي يقود البلاد نفسه مدة ستة أشهر لترتيب الأوضاع في وضع دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مدة أقصاها شهر أيلول القادم، ولذلك فإن مجلس قيادة الثورة المشكل من الشباب الذين قادوا ثورة الشعب المصري غير قادر على المضي بتحقيق أهدافه حتى ولو استطاع القيام بتنفيذ مظاهرات مليونية لاحقاً لأنها ستتحول إلى عمل روتيني وتفقد بريقها وجماهيريتها أسبوعاً بعد أسبوع. ولذلك لا يوجد أمام هؤلاء الشباب الذين يريدون المضي بثورتهم حتى النهاية إلا القيام بتسريع ثلاثة قضايا وهي:
أولاً– دعم قوى الطبقة العاملة المصرية التي تقوم الآن بتنفيذ إضرابات يومية من أجل تحقيق مطالبها المشروعة في تحسين أوضاعها المعيشية. لقد بدأت الآن بوادر ثورة عمالية بين صفوف الطبقة العاملة المصرية في السويس وحلوان والمحلة وفي العديد من التجمعات العمالية الكبرى والتي تعني أن حق الإضراب حق مشروع ومصان بقوة القانون وأن قانون الطوارئ لم يعد سارياً بقوة التحالف بين الشباب المصري والطبقة العاملة المصرية القادرة على قيادة باقي جماهير الشعب المصري ومكوناته نحو النصر الحقيقي. نعم يجب اعتبار حركة الطبقة العاملة المصرية وإضراباتها الرصيد الذي سيرفد الثورة ويمضي بها نحو آخر الطريق ولا قبل للعسكر على الوقوف بوجهها، وعلى الشباب أن يعلموا ويدركوا وبسرعة أن الثورة الشبابية التي قاموا بها قد قطعت نصف الطريق فقط وعليها الآن أن تجري تحالفات جديدة تمدها وتساعدها بقوى جبارة هي قوى الطبقة العاملة المصرية ذات التجربة الغنية.
ثانياً– توجيه ضربات فنية قاضية للاتجاهات الليبرالية في الاقتصاد المصري وللنهب المستمر لثروات مصر وللفساد الذي استشرى وأصبح كالسرطان الذي يهدد انجازات الشعب المصري ومكتسباته وهذا يستدعي محاكمة كل الفاسدين وعدم السماح لرئيسهم بالسفر خارج مصر بل يجب منعه وتشكيل هيئة حقوقية مهمتها استعادة مئات المليارات المسروقة من جيوب الشعب المصري الكادح.
ثالثاً– يجب الحذر الشديد مما قد تقوم به قوى الثورة المضادة وخصوصاً تلك القوى التي كانت في سفينة النظام السابق ثم ألقت بنفسها خارجها بعدما رأتها آيلة للغرق فركبت أمواج الثورة لتخلص نفسها من عواقب ما قامت به سابقاً، نعم يجب منع استكمال المخطط الذي وضعه النظام السابق من إثارة النعرات الطائفية التي يستفيد منها في إلهاء الجماهير عن مطالبها أو إضعافها لتلك الدرجة التي يصبح فيها قادراً على الثورة المضادة. فمن المعروف أنه من شكل تلك الخلية التي قامت بتفجير كنيسة القيامة في الإسكندرية عشية الأعياد وذهب ضحيتها العشرات من الضحايا، لقد أثبتت مجريات الثورة في أيامها الثمانية عشر أن اللحمة بين مسيحيي مصر ومسلميها لا تنفصم بل كان المسلمون والمسيحيون في وئام كامل وكان المسيحيون يحرسون الجوامع في أوقات الصلاة. إن العزف على أوتار النعرات الطائفية التي قد تقوم بها القوى المضادة أمر يجب الحذر الشديد منه ويجب كم وحجب أصواته نهائياً في الشارع المصري.
أخيرا فإن المضي نحو إتمام وانتصار الثورة المصرية وشبابها، الذي هاج وماج وأفرز حركة لا مثيل لها، سيشكل ذلك النبراس الذي يضيء دروب الشعوب العربية الأخرى الهادفة نحو الانعتاق والتحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا التحرر وهذه العدالة لن تتحققا في ظل الرأسمالية، لقد أثبتت الرأسمالية بأنها نظام دخل وأدخل الشعوب في طريق مسدود ولن يفتح هذا الطريق لها إلا الاشتراكية التي هي الحل الوحيد للخلاص من هذا النفق المظلم.