إعادة استعمار الغرب الإفريقي
زار وزير الدفاع الفرنسي «جان ايف لودريان» الدولة الغرب افريقية مالي، حيث تقاتل قواته منذ كانون الثاني الماضي. ويأتي التدخل الفرنسي في وسط وشمال مالي في سياق خطة مزعومة لإزالة تواجد عدّة منظمات إسلامية سبق أن تم تصنيفها «إرهابية» من فرنسا وعدة دول استعمارية أخرى
لا انسحاب فرنسي
سمح مجلس الأمن الدولي مؤخراً بنشر ما يقارب اثني عشر ألف وخمسمائة عنصر من قوات حفظ السلام التي ستقيم قواعد لها في المناطق المتنازع عليها في مالي، وأُنشئت هذه القوات لتحلّ مكان ستة آلاف عنصر من القوات الأفريقية الإقليمية التي كانت تقاتل إلى جانب القوات الفرنسيّة ضد ثلاث مجموعات إسلامية مسلّحة في الشمال، وعلى الرغم من قول حكومة فرنسوا هولاند في كانون الثاني الماضي إنَّ العمليات الفرنسية في مالي ستكون لمدة قصيرة، فإن الخطة قد عُدِّلَت الآن، وتدعي فرنسا أنها سحبت بعضاً من قواتها مع الإبقاء على أربعة آلاف عنصر في البلاد.
وفقاً لتقارير وزارة الدفاع الفرنسية، سيبقى ألف عنصر على الأقل في مالي حتى نهاية العام الجاري؛ 250 عنصراً منهم معدّون خصيصاً لمهمات تدريبيّة مع الجيش المالي و 750 الباقون لمتابعة العمليات الهجومية.
لقد بذلت الجهود أيضاً لجر المزيد من الدول الغربية للحرب في مالي، فألمانيا تعهّدت بتأمين مدربين عسكريين عبر الاتحاد الأوروبي. والولايات المتحدة كانت قد تدخلت في مالي لسنين عدة بالاشتراك مع القيادة الأفريقية الأميركية (USAFRICOM) وذلك عبر تأمينها التدريب، والمعدات، والموارد المالية. مهما يكن فإن هذه الجهود قد ساهمت فقط بخلق حالة عدم استقرار داخل البلاد.
اليد الأمريكية والكندية
عندما استولى صغار ضباط الجيش على السلطة في آذار 2012 من الرئيس المنتخب «امادو توماني توري»، كانوا منقادين من الكولونيل «امادو سانونغو»، المدرب من القوات الأميركية، والذي سبق أن درس في عدة أكاديميات منشأة من البنتاغون، وقد كان البنتاغون ينقل القوات الفرنسية إلى مالي، ونشر مؤخراً مئة من القوات الخاصة في النيجر المجاورة، بالإضافة لإنشاء محطة طائرات بدون طيار هناك.
وكان قد جرى اتصال من قبل «مايكل بييرز»، رئيس قسم السياسة العالمية والقانون الدولي في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، لجعل أوتاوا أكثر تدخلاً في الأزمة المالية. وقد سعى «بييرز» وفي افتتاحية له نشرت في أشهر صحف الأخبار الرئيسية في كنداGLOBE&MAIL ، لتقديم حجة لنشر القوات في مالي، فكتب في 29 نيسان أنه» سيكون للجنود الكنديين قيمة عالية لتعظيم تأثير الآخرين ممن هم أقل تدريباً. لما يقارب نصف القرن، كانت كندا تملأ هذا الركن في كل مهمة لقوات حفظ السلام».
إن قوات حفظ السلام هذه ستواجه تحديات واضحة، فستعمل كطرف مفترض أن يكون محايداً، وفي الوقت نفسه، تستكمل القوات الفرنسية والمالية هجومها ضد أنصار الدين، حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي. أيضاً، هناك تزايد في انعزال الشعب المالي عن القوات الفرنسية والمالية معاً، فهؤلاء الجنود قد اتهموا بارتكاب الأعمال الوحشية ضد السكان، حيث تسود الاعتقالات التعسفية إضافة للقتلى، والجرحى.
الأوضاع الإنسانية متدهورة
كنتيجة للانقلاب العسكري والحرب الأهلية اللاحقة في الشمال بين انفصاليي الطوارق، والمتمردين الإسلاميين لاحقاً، ضد الجيش الوطني المالي، أخذت حركة النزوح تنتشر على نطاق واسع، كما أن الأثر الاقتصادي للنزاع كان مُدمِراً بالنسبة لمن أجبروا على الفرار، كما بالنسبة لمن رابطوا في قراهم ومدنهم.
أسعار الغذاء ارتفعت لتؤثر على الشريحة العاملة والفقيرة، وفي مقال حديث نُشر في صحيفة «الغارديان» البريطانية، يَلحظ تفاقم النقص في الغذاء، ووفقاً للصحيفة نفسها: «يوم الخميس 25 نيسان فإن أربع وكالات عالمية حذّرت أن شمال مالي سينحدر لمستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي في غضون أقل من شهرين ما لم تتحسّن الظروف. وأن أزمة الغذاء الجديدة في المنطقة خلّفت العديد من الأشخاص في حالة وهن ومرض ممن لايزالون في مرحلة الاستشفاء.» وتعترف «الغارديان» أن التدخل الفرنسي قد فاقم الأوضاع بالنسبة للمقيمين في مناطق النزاع، وقطع خطوط الإمداد، وخلق نقصاً في الغذاء وبالتالي سرّع في حدوث تضخّم. وتتحدّث وكالات الإغاثة عن أن الرعاة أصبحوا غير قادرين على استخدام المراعي التقليدية وعيون المياه».
ضرورة التحرك للمواجهة
مع تدخل قوات الأمم المتّحدة لحفظ السلام، لاتوجد ضمانة أن الوضع سيعود لطبيعته، فتجارب الدول الأخرى سابقاً تدل على ذلك، كجمهورية الكونغو الديمقراطية، الصومال، السودان، فإنَّ انتشار قوّات الأمم المتحدة قد يفاقم التوتر فيما يفترض أن يقلل منه.
هذا الوضع في مالي يتطلب حلاً سياسياً لا يتحقق إلا باشتراك كل الأطراف المختلفة، الحكومة والمجموعات الأخرى المعنية، فهذه المسألة تنذر بالكثير لمستقبل أفريقيا ويجب أن تُتناول جدياً من الاتحاد الأفريقي في قمّتهم المقبلة في أديس أبابا.
إن الأوضاع الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية، ستسوء حتماً مع التدخل المتزايد للولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، والقوات المسلحة الأخرى التابعة للناتو في إفريقيا، ويجدر بالدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية أن تستنبط استراتيجية لمواجهة هذا التصعيد للإمبريالية العسكرية الذي تترتب عليه آثار على القارة ككل.