المناورات العسكرية الأمريكية في الخليج وقنابل هيروشيما وناكازاكي
د. فريد حاتم الشحف د. فريد حاتم الشحف

المناورات العسكرية الأمريكية في الخليج وقنابل هيروشيما وناكازاكي

لا شك أن الهدف الرئيسي للمناورات العسكرية التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إجراءها في الخليج، من تاريخ 6 حتى 30 أيار، بمشاركة 30 دولة، للتدرّب على حماية طرق التجارة الدولية، كما أعلنت قيادة الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ليس تقنيّاً، بل تأتي هذه المناورات، في إطار التصعيد الجديد الذي بدأته أمريكا منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها أوباما إلى المنطقة، بهدف استعراض القوّة، للضغط على روسيا وحلفائها في البريكس، على أمل إسقاط الدولة السورية من المعادلة الجيوسياسية في المنطقة، ولكسب نقاط في القمة الروسية – الأمريكية المزمع عقدها نهاية حزيران القادم، لوضع أسس جديدة للنظام الدولي الذي بدأ بالتشكل، تضمن الحفاظ على مصالح أمريكا في بعض المناطق حول العالم

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها جراء هذا التصعيد الأخير الذي ستختتمه بهذه المناورات العسكرية الضخمة؟

للإجابة على هذا السؤال لابدّ من العودة إلى التاريخ القريب، لنجد أنّه ليست المرّة الأولى التي تحاول فيها الولايات المتحدة، استعراض القوّة مع روسيا، لتحقيق مكاسب في المحادثات التي ستحدد مستقبل النظام الدولي وتقاسم مناطق النفوذ.

المحاولة الأولى كانت أثناء انعقاد مؤتمر بوتسدام 17 تموز – 2 آب 1945، عندما فاجأت أمريكا العالم بالتجربة النووية الأولى الناجحة التي أجرتها تاريخ 21 تموز، لتستخدمها كورقة ضغط على الاتحاد السوفيتي آنذاك، للتراجع عن بعض الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مؤتمر يالطا الذي عقد بين رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي، فالدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ضمنت فرض شروطها وحرّية تفرّدها بالقرارات الدولية.

من المعروف أن مؤتمر بوتسدام تم تأجيله من الرئيس الأمريكي حينها، من أيار إلى تموز بسبب ما عرف لاحقاً، إكمال التحضيرات للتجربة النووية، التي أريد لها أن تلعب دوراً هاماً في تغيير مواقف الاتحاد السوفييتي، حيث تحوّلت لهجة رؤساء هذه الدول، إلى لغة التهديدات بهدف إجبار روسيا على التراجع عن اتفاقات يالطا في مواضيع كثيرة، منها مستقبل ألمانيا، واستسلام اليابان، والتخلّي عن استخدام القوّة في العلاقات الدولية، وتقليص الجيوش وتحويل الصناعات العسكرية إلى مدنيّة..الخ.

كان يراد للتجربة النووية أن تفرض على الاتحاد السوفيتي الإذعان للشروط الغربية، لكن دبلوماسيّة الاتحاد السوفيتي التي كان يديرها ستالين بنجاح، لم تتأثر بهذه الرسالة القويّة، لذلك قرر ترومان رئيس الولايات المتحدة على إثرها، أن لا يعود مرّة أخرى للقمم الثلاثية، وأنه سيتصرّف وفقاً لما ترتئيه الولايات المتحدة مناسباً.

 كان المقرر حينها أن يقوم الاتحاد السوفيتي بفتح الجبهة الشرقية ضد اليابان لفرض الاستسلام عليها، تاريخ 8 – 9 آب 1945. تم الحصول على معلومات حينها أن اليابان ستعلن الاستسلام مجرّد بدء الاتحاد السوفيتي الحرب ضدها، لذلك قررت الولايات المتحدة استباقاً للأحداث، ولتجريد الاتحاد السوفيتي من فرصة استغلال الانتصار، قصف هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية تاريخ 2 آب، التي راح ضحيّتها مئات الآلاف من المدنيين، لتعلن بذلك أنّ القوة العسكرية وحدها، من الآن وصاعداً، هي التي ستحدّد مستقبل العلاقات الدولية بشكل عام، والعلاقة مع الاتحاد السوفييتي بشكل خاص، وأنّ مبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة» هو الذي سيحكم سياسة أمريكا الخارجية، وأعدّت خطة عسكرية لقصف الاتحاد السوفيتي ب 133 قنبلة نووية عام 1949، لإخراجه من المعادلة السياسية الدولية، وتحقيق حلم الساسة الأمريكيين بالهيمنة على العالم.

لكن تمكّن الاتحاد السوفيتي حينها، من إجراء تجربة ناجحة للقنبلة الهيدروجينية التي تفوق بإمكانياتها التدميرية القنبلة النووية، فرض نوعاً من التوازن الدولي الذي استمر طيلة الحرب الباردة.

المعروف أن أمريكا عندما استعرضت قوتها العسكرية للمرة الأولى في تجربتها النووية عام 1945، كانت تملك كل المقومات لاستخدامها، حيث خرجت للتو منتصرة من حرب لم تجر على أراضيها، ولم تلحق الدمار باقتصادها وبناها التحتية، وكان يلوح أمامها في الأفق إعادة إعمار أوروبا، مقابل الاستيلاء على إرثها الإمبراطوري، ولديها جيش قويّ يملك سلاح دمار شامل فتّاك، وليس لديها تاريخ أسود في حينها كغيرها في ذاكرة شعوب العالم، مقابل دول كبرى منهكة عسكرياً واقتصادياً نتيجة الحرب، ولو أنها قد خرجت منها منتصرة، لذلك قصفت هيروشيما  وناكازاكي بالقنابل النووية لتؤكد أقوالها بالأفعال، وتدشّن مرحلة جديدة من الهيمنة والتحكم في السياسة الدولية.

أما تصعيدها السياسي والعسكري، واستعراضها للقوة الآن، فلا يستند إلى أية مقومات تدعم هذا التصعيد، فهي قد انهزمت مع «إسرائيل» في لبنان عام 2006، وخرجت من العراق، وستخرج من أفغانستان عام 2014، مهزومة على المستوى العسكري، ولم تتمكن حتى الآن من إخراج سورية من المعادلة السياسية الإقليمية في الشرق الأوسط، وتعاني من أزمة اقتصادية ومالية حادة لا تمكنها من شن أية حرب، أو تحمّل نتائج أية حرب قد تتسبب هي في اندلاعها، ولها تاريخ أسود في ذاكرة شعوب دول العالم المختلفة، لما سببته من حروب ودمار لهذه الدول، مقابل دول عظمى قديمة وجديدة صاعدة، تملك جيوشاً وأسلحة لا تقل أهمية من حيث إمكانياتها التدميرية، ويشهد اقتصادها نمواً متزايداً يستطيع تحمل نتائج أية حرب قد تفرض عليها، وهي لم تعد في الوقت نفسه، مستعدة لتحمّل سياسة البلطجة والهيمنة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم، منذ أكثر من عقدين من الزمن.

طبعا، أمريكا بحاجة لحرب وفوضى في المنطقة لإنقاذ اقتصادها، شرط أن لا تكون طرفاً مشاركاً فيها بشكل مباشر، لكنها تدرك جيداً، وبخاصّة بعد موقف حلفاء سورية الحازم، أن توجيه أيّة ضربة عسكرية لسورية من أي طرف كان، لن تنتهي عند حدود سورية، وستخرج عن نطاق ما تخطط أمريكا لها، وستكون عواقبها وخيمة ليس على حلفائها وأدواتها فحسب، بل وعلى مصالحها الحيوية في المنطقة.

لذلك نستنتج أن التصعيد الأمريكي الأخير، وعملية استعراضها للقوّة ، ليس سوى مجرّد محاولات يائسة للحصول على تنازلات – ما، ودعم معنوي لأدواتها وعملائها في المنطقة، الذين سيتساقطون مباشرة، بعد سقوط مشاريع الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وإعلان الشعب السوري انتصاره المؤكد، بعد نجاح الحوار الوطني، والخروج من الأزمة التي يعاني منها، لتنتهي وإلى غير رجعة مرحلة التحكم والتفرّد الأمريكي في القرارات الدولية.

آخر تعديل على الأربعاء, 02 نيسان/أبريل 2014 20:34