ورطة الربيع العربي الأمريكية
مذ بدأ التدخل الفرانكوبريطاني بليبيا، التي غدت شأناً من شؤون حلف شمال الأطلسي، في آذار الفائت، تحت إلحاح بريطانيا والولايات المتحدة، اعتبره اليسار، كعادته، تدخلاً إمبريالياً غربياً، يستهدف السيطرة على احتياطي النفط الليبي الضخم، مستخدماً ذريعة «الدوافع الإنسانية». ورغم رغبتي الشديدة، الأشد من رغبة أي أحد آخر، بالتفكير بأسوأ دوافع الدول، أجد أنه من الصعب عليّ إدراك السبب الذي يدفع الدول الغربية لشن حرب باهظة التكاليف لمجرد الاستيلاء على نفطٍ تستطيع الحصول عليه من السوق العالمية بسهولة.
ترجمة موفق إسماعيل
وأتى الذكاء باراك أوباما فيما كان يتلقى التقريع من المرشحـَين الجمهوريين للرئاسة، «بانش» و«جودي شو»، حول بضع قضايا أخرى، فأخبر الناتو بأنه يحبذ قيادة العملية من وراء الكواليس. وبذلك استطاع كسب الفضل بالنصر، وفضل سماحه للفرنسيين والبريطانيين بإدارة العمليات الحربية الأساسية، دون إزعاج غير مبرر للبنتاغون.
كان العقيد القذافي قد أمسى الصديق الأثير لدى الحكومات الغربية، منذ اعتبر، عام 2003، أن من مصلحته إعادة الدفء لعلاقاته مع الغرب، ونذكر تسليمه الممرضات البلغاريات وتخليه عن المتهمين بتدبير الهجمات على الطائرات الأمريكية والفرنسية، فصار ينصب خيمته في قصر الإليزيه الباريسي ويحل ضيفاً مكرماً على البيت الأبيض الأمريكي، متفانياً في مطاردة الإرهابيين العرب بالاشتراك مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي مهدت، مسبقاً، طريق التعاون وتحسين العلاقات بين البلدين، سواء كان أولئك الإرهابيون واقعيين أو مـُبتدَعين.
فعلى سبيل المثال، الرجل الذي قاد هجوم الثوار على طرابلس، قبل حوالي الشهر، هو منشق ليبي، ومقاتل إسلامي سابق في حرب أفغانستان ضد روسيا، قامت المخابرات الأمريكية وبريطانيا بتسليمه للقذافي، ليخضع للتعذيب والسجن طيلة سبع سنوات، و«لا يعوّل على ارتباطه بمصالح الغرب» حسب تعبير باتريك سيل الخبير بشؤون الشرق الأوسط.
التدخل الغربي مطلع هذا العام، الذي استهلته فرنسا، هو تدخل إيديولوجي من حيث الأساس، مشتق من «سياسة التدخل الليبرالية» التي اعتنقها الغرب وشجعها إثر انتصار حلف شمال الأطلسي في كوسوفو. لكن الحماسة لتطبيقها خفتت في التجربة التالية، بسبب قرار أوباما ترك العراقيين يدافعون عن أنفسهم دون مساعدة القوات العسكرية الأمريكية التي تستعد للانسحاب من العراق بحلول الشهر الأول من العام القادم، وبسبب انشغال البنتاغون حالياً بكيفية الخروج من أفغانستان وباكستان دون أن يترك خلفه الكوارث.
وأتت نهضة العرب عام 2011 لتحشر الولايات المتحدة في وضع لا تحسد عليه. فبعد سنوات من الترويج النظري للديمقراطية في الشرق الأوسط (بينما كانت عملياً تعزز تعاونها مع أكثر الأنظمة العربية رجعية كرمى لعين إسرائيل)، وخوضها حربين، وبضعة تدخلات في أحداثٍ أغلبها مصطنع، وجدت واشنطن نفسها، في ورطة إثر ورطة، منهكة القوى، خائرة. أما عن الإصلاح الديمقراطي في مصر واليمن والبحرين؟ وعن دعم تحرر الفلسطينيين؟ طبعاً لا شيء. ففي ما يتعلق بالديمقراطية تكتفي الولايات المتحدة بالتنظير وتفضل التعامل مع أنظمة الحكم المستبدة والظلامية، الأسهل عليها من حيث الممارسة.
ولهذا تبدو وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون باهتة ملتاعة هذه الأيام، تطير من بلد إلى آخر، تروم الخلاص من المأزق، وطمأنة أصدقائها الرجعيين المؤيدين للولايات المتحدة بأن الأمور سوف تسير على أحسن ما يرام، لكنها ذكية بما يكفي لتدرك أن أيامهم أضحت معدودة، وأنها ربما لن تلتقيهم ثانية على هذه الضفة من نهر الجحيم، لا هم ولا نظراؤهم الإسلاميون.
وتجدها حائصة مستعجلة (أتساءل متى تجد وقتاً للنوم؟) لأن الولايات المتحدة لا تعرف كيف تخرج من هذه الورطة العويصة. ولا بد أنها تضع في اعتباراتها أن باكستان وأفغانستان، مجتمعتين أو منفردتين، يمكن أن تنقلبا ضد واشنطن في أحلك الظروف، عندما يعلق جيشها في أكثر مناطق الأرض وعورة. ومع كون الولايات المتحدة هدفاً، قد يظهر هذا التناقض في العراق/ إيران. وربما تبدأ «إسرائيل» الحرب ضد إيران على أمل أن تنهيها الولايات المتحدة.
لعله آن أوان العودة إلى الوطن! هذا ما يقوله لسان حال الناس، لكن إدارة أوباما ما تزال تجهل كيف!!