الأمريكان يفضلونها ليبرالية!
أظن أن الشخصيات الوطنية الليبرالية المصرية يجب أن تقلق من حجم الارتياح الذي يكنه لهم الأمريكان، وحجم التأكيدات المتكررة في مؤسسات وأروقة صنع القرار هناك على ضرورة العمل على بناء ودعم تيار ليبرالي مصري.
فالأمريكان ينطلقون من فكرة تكاد تصل إلى حد اليقين أن نجاح القوى الليبرالية في مصر سيحافظ على العلاقات الحميمة بين مصر والولايات المتحدة وسيحافظ على التزام مصر بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وعلى التعاون المشترك في مواجهة (الإرهاب)، وسيحافظ على الريادة والقيادة الاقتصادية والسياسية لرجال الأعمال والقطاع الخاص المصري والأجنبي وفقا لآليات الاقتصاد الحر بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.
وأنا لو كنت ليبرالياً لبذلت كل ما في وسعي لنفي هذه التهمة التي إن ثبت صحتها لا قدر الله لوضعتني خارج المشروع الوطني المصري المتفق عليه منذ أكثر من قرن، منذ زمن الاحتلال البريطاني.. بل لوضعتني أيضاً خارج مشروع ثورة 25 يناير التي قامت ضد نظام صنعه الأمريكان طوبة طوبة.
ولكن للأسف قليلة هي الشخصيات الليبرالية التي ترغب في نفي ذلك، بل إن المراقب العادي قد يصدق لأول وهلة هذه التهمة لعديد من الأسباب أهمها:
أن الخطاب الليبرالي المصري تجاه أمريكا هو خطاب إيجابي في مجمله، فلم نسمع أي نقد جاد لتبعية النظام السابق للأمريكان أو للمشروع الأمريكي وسياساته في المنطقة مثل دعم إسرائيل أو احتلال العراق وأفغانستان وتقسيم السودان، ولم نطلع على أي برنامج ليبرالي مصري مستقبلي، يتحدث بوضوح عن الرغبة في تحرير مصر من هذه التبعية. ولم نسمع أي نقد ليبرالي لقيود معاهدات كامب ديفيد أو أي دعوات لتعديلها، أو أي إدانة لجرائم إسرائيل. ولم يسبق أن تحفظ أي من رموزهم على التواصل الدائم مع السفارة الأمريكية وتلبية دعوات الحوار المتكررة معها، والتي للأسف لحقهم فيها آخرون من تيارات أخرى.
كما أنه من المعروف أن بعض الشخصيات والجماعات الليبرالية المصرية تتلقى دعماً من هيئة المعونة الأمريكية ومثيلاتها، وهي المؤسسات التي تتصدر برامجها وأجنداتها: هدف العمل على تأسيس و دعم ونشر الأفكار والمؤسسات الليبرالية في كافة بلدان العالم في مواجهة باقي التيارات الوطنية.
بل إن البعض من هذه المؤسسات الأجنبية يدّعي زوراً وبهتاناً أن له بعض الفضل في تفجير الثورة المصرية مثل المعهد الجمهوري والديمقراطي وفريدوم هاوس ومعهد البرت اينشتين. وحتى أولئك الذين لا يتلقون أي دعم، يمتنعون عن إدانة التمويل والمانحين أو مقاطعة الممنوحين، كما يمتنعون عن إدانة التدخل الخارجي.
كما أن أنصار الليبرالية الاقتصادية من رجال الأعمال المصريين هم شركاء وتابعون لمئات من المؤسسات الغربية الرأسمالية، تابعون لهم في المصالح الاقتصادية والسياسية. ثم هناك تطابق مريب في بعض الأحيان في الأجندات والشعارات والمعارك السياسية، فحين نجد على سبيل المثال أن الغرب يركز الآن على التخويف من التيار الإسلامي الصاعد بعد الثورات العربية، نجد أن بعض الليبراليين المصريين يضعون التصدي للتيار الإسلامي على رأس أولوياتهم السياسية، تماماً مثلما فعلوها من قبل مع التيارات القومية والاشتراكية. ولكن رغم كل هذه المؤشرات، فان هناك عديداً من الشباب المصري الثوري الذي قد يميل إلى الأفكار الليبرالية، ولكنه يرفض في ذات الوقت التبعية للأمريكان والعمل وفقا لأجنداتهم. ولذلك فإنني أوجه دعوة صادقة إلى هذا الشباب الوطني الثائر، وإلى كل الأصدقاء من الشخصيات الليبرالية الوطنية إلى العمل على إزالة هذه الشبهة عن الليبرالية المصرية وأنصارها، من خلال طرح برنامج عمل وطني مشترك يضع تحرير مصر من التبعية الأمريكية على رأس أولوياته.