فرنسا عرضت على «بن علي» مساعدته عسكرياً قبل يومين من هروبه
بلغ رضا الحكومة الفرنسية عن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ذروته يوم 14 يناير عشية هروبه. فقبل يومين من فراره إلى المملكة العربية السعودية، عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية، ميشيل اليو ماري، إمداده بمساعدات أمنية وعسكرية لقمع الثورة التي أطاحت به، فيما صرح وزير الثقافة الفرنسي، فريديريك ميتران، أنه من المبالغ وصف النظام التونسي بالدكتاتورية.
بهذا الموقف، سعت حكومة باريس إلى حماية المصالح التجارية الفرنسية الضخمة في تونس، حيث تشكل 1250 شركة فرنسية جوهر الاقتصاد التونسي.
هذه الشركات تغطي عملياً جميع القطاعات الاقتصادية، من صناعة النسيج والملابس إلى الالكترونيات الدقيقة والسيارات والطيران والخدمات. ووفقا للبيانات الرسمية، بلغت قيمة الاستثمارات الفرنسية في تونس 140 مليار يورو في 2009، مما يجعل من فرنسا الشريك الاقتصادي الرئيسي لها.
وتمتعت العديد من هذه الشركات الفرنسية بعلاقات وثيقة مع عائلة بن علي. وعلى سبيل المثال، ينتمي 49 في المئة من شركة «أورانج للاتصالات التونسية» إلى الدولة الفرنسية، بعد أن كانت تابعة للشركة المحتكرة «فرانس تليكوم». أما 51 في المئة من الأسهم فينتمي إلى «انفستيك»، الشركة الاستثمارية التي يملكها مبروك مروان، صهر زين العابدين بن علي، المتهم بالفساد.
ويفسر دور فرنسا الاقتصادي في تونس وتواطؤ الشركات الفرنسية مع نظامها، تبني كل الأنظمة الفرنسية منذ عام 1987- من فرانسوا ميتران إلى نيكولا ساركوزي- لموقف الرضا تجاه نظام بن علي، وذلك على الرغم من اتهامات الفساد الشامل وانتهاكات حقوق الإنسان الموجهة ضده.
ويذكر أن مجموعة من المثقفين الفرنسيين، بقيادة اتيان باليبار أستاذ العلوم الفلسفة السياسية الفخري بجامعة نانتير شمال غرب باريس، قد شددت على أن السياسة الخارجية الفرنسية «تميزت بتقليد مشين من الرضا تجاه الديكتاتورية التونسية».
وقال باليبار إنه بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي إن الحجج الرسمية التي استخدمتها فرنسا في الماضي لدعم الديكتاتورية التونسية، بما في ذلك دعمها المزعوم لها في ما يسمى الحرب ضد الإرهاب، قد ثبت أنها كانت مخطئة.
ويشار إلى أن الرئيس الفرنسي ساركوزي أشاد في زيارة لتونس في أبريل 2008، بقمع زين العابدين بن علي للمعارضة الإسلامية. ومع ذلك، وبينما سحق بن علي بالفعل هذه المعارضة وغيرها، فالواقع أن الحركات المتطرفة لم تمثل تهديداً حقيقياً لتونس.
وتؤكد تقارير المخابرات الفرنسية، التي سربتها صحيفة لوموند الفرنسية اليومية، هذا التقييم، وأن الاستخبارات الفرنسية تظهر «تفاؤلاً حذراً» تجاه «الإسلام الراديكالي» في تونس.
هذا وتتورط العلاقات الاقتصادية الفرنسية في أوضاع دول أفريقية أخرى، إضافة إلى تونس، ومن بينها النيجر وساحل العاج على سبيل المثال، فقد أطاح الجيش برئيس النيجر مامادو تانجا، في فبراير 2010- وهو الذي سعى إلى الحصول على ولاية ثالثة- وذلك بتهمة انتهاك الدستور وممارسة الفساد المرتبط بامتيازات استغلال مناجم اليورانيوم الممنوحة لشركة «أريفا» المملوكة للدولة الفرنسية. ويمثل اليورانيوم 70 في المئة من صادرات النيجر الإجمالي، فيما تعتبر شركة «أريفا» المستثمر الرئيسي في هذا البلد الأفريقي.
وعلى نفس المنوال، أثر الوجود الاقتصادي والعسكري الفرنسي في ساحل العاج، على موقف حكومة باريس تجاه الرئيس لوران غباغبو الذي خسر انتخابات عام 2010 وفقا للمراقبين الدوليين، فتسيطر نحو 700 شركة فرنسية كبيرة على اقتصاد ساحل العاج، بما يشمل من حقول الكاكاو وصادراته، والبنية التحتية والاتصالات السلكية واللاسلكية.
(آي بي إس)