شذرات على هامش الأزمة

شذرات على هامش الأزمة

(1) سورية.. «تست DNA».. مع ازدياد تعقد مشهد الأزمة في سورية وارتفاع منسوب آلام مخاض دولتها الجديدة يزداد اللغط حول طبيعة «جنين» القوى السياسية ونسبها الذي تحمله في أحشائها منذ ثمانية أشهر دون أن تكون ولادتها بالضرورة حكماً مع شهرها التاسع، ودون وجود أي «كادر طبي» قادر على تأكيد ضمان سلامة واستمرار حياة الأم أصلاً، بسبب غياب البيئة والحاضنة الداعمةوالملائمة!!

ورغم أنف ذلك ترى جميع القوى والتيارات والأطراف الفاعلة أو الأقل نفوذاً في الداخل والخارج تدعي «الأبوة» وتقديم القرابين واجتراح التضحيات، ويدور لغط أكبر حول توصيف «المعارضة» و«النظام» والكتل السياسية والاجتماعية والمواقف والمسؤوليات وسط إصرار على شخصنة الحالة في كل توصيف عبر ربطه بـ«فلان» في النظام أو «علتان» بالمعارضة، ضمنالمنطق العقيم ذاته الذي أنتج ولا يزال سلسلة الثنائيات الوهمية (معارضة/ نظام، مع/ ضد، داخلي/ خارجي، وعذراً طائفة/ طائفة، الخ..).

إن سورية الرحم لديها خريطتها الجينية الخاصة والفريدة، وإن أي «أب» في النظام أو المعارضة أو الشارع أو الميليشيات الطائفية يطمح لأن يدعي «أحقية» انتساب مولودها الجديد إليه ينبغي أن يجتاز اختبار «صبغياته» الأساسية المطلقة المطروحة في رؤاه وبرامجه وممارساته، والتي يمكن حصرها في أربعة لا أكثر لضمان جودة النسب الأصلي وعدم تشوه المولودأساساً وهي التالية:

ما هي وما حجم متانة صبغياته/ برامجه بخصوص وحدة النسيج السوري؟ أي حقيقة موقفه/ ممارساته من أي اقتتال أهلي أو حرب أهلية أو عنف أو تحريض وقتل طائفي تحت أية ذريعة كانت، ومن أي مصدر كان، وبأي شكل صدر؟؟!

ما هي وما حجم متانة صبغياته/ برامجه بخصوص وحدة التراب الوطني السوري؟ أي حقيقة موقفه/ ممارساته من مسألة السيادة الوطنية ورفض التدخل والعدوان الخارجي أو اقتطاع أراض من الكيان الجيوسياسي السوري القائم حالياً سواء عبر ادعاء حقوق «تاريخية» أم تسهيل إقامة «مناطق عازلة» أو ما شابه، أو الإبقاء على احتلال الجولان للزمن دون تحريك،وأيضاً تحت أية ذريعة كانت وفي سبيل أي هدف وأياً كانت الجهة التي تتبنى ذلك..!!؟ 

ما هي وما متانة صبغياته/ برامجه بخصوص ثبات المواقف الوطنية السورية؟ أي ثبات مواقف الشعب السوري، والتي لا يستطيع ولم يستطع بالمعنى التاريخي المعاصر أي نظام في سورية إلا تبنيها والتعبير عنها، حفاظاً على المصالح الإستراتيجية السورية في مواجهة الأعداء الأساسيين المتربصين في الخارج دائماً، أي الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة ومشاريعهيمنتهما..!!؟

ورابعاً وأخيراً وعلى درجة الأهمية نفسها التي لا يشير إليها أحد، ما هي وما حجم متانة صبغيات ذاك «الأب» وبرامجه بخصوص تفكيك منظومة الفساد في سورية وخط التنمية الاقتصادي الاجتماعي ونمط توزيع الثروة؟ أي حقيقة ممارساته تجاه ضرورة إحداث التغيير الجذري والعميق بالنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي في سورية لضمان عدم إعادة إنتاجالأزمة..!!؟

بعيداً عن كل الثنائيات الوهمية وأي فرز تضليلي مشبوه، هل يمكن إغفال أهمية أي من العناصر الأربعة الواردة أعلاه؟ إذا كان الجواب بالنفي كما هو متوقع، أعطوني أية قوة أو جهة أو حزب أو تيار أو مجموعة أو «مجلس» داخل النظام أو المعارضة أو الشارع في الداخل والخارج تحمل هذه الصبغيات على نحو متكامل ومتجانس على نحو أصيل وممنهج ومحسوم وغيرقابل للمواربة أو المقايضة وممارس على الأرض لكي يصبح الفرز واضحاً بين الأبيض والأسود في جدية بحث مختلف الأطراف عن مخارج حقيقية، لكي يكتسبوا جماعة أم فرادى، صفاتهم المشروعة بالتالي، ودون ذلك سيكون المولود الجديد، إن لم تخنقه التشنجات الرحمية والحقن والمثبتات والمقويات والأوبئة المحيطة من كل حدب وصوب، «مشكوكاً» بنسبه..!

 

(2) مواقف الجامعة بين التوصيف والفعل..!

انهمك الإعلام السوري قبل العيد، وسينهمك اليوم في توصيف مواقف الجامعة العربية وقراراتها وعقوباتها المتلاحقة والمتسارعة من مجريات الأزمة السورية: «قرار حقير»، «غير قانوني».. ويكثر النعي.. والمعزون.. وأعداد المحتجين والغاضبين ومن يقابلهم من مستائين من التأخر والتلكؤ أو معلنين الانتصار القريب.. الخ..!

لكن أياً من هؤلاء في «النظام» أو «المعارضة» لم يخرج علينا ليقدم لنا مقترحاته أو خطواته العملية لمواجهة انعكاس العقوبات الاقتصادية «العربية» على المواطن السوري..! والتي على الأرجح ستزيد من حجم تدني قدرته الشرائية بسبب التضخم وغلاء الأسعار وتعطل الأعمال والأشغال وتأثر الدورة الاقتصادية وازدياد أشكال البحث «بسراج وفتيلة» عن موارد للعيش..

السؤال الأساسي المطروح هو ما الذي ستفعله الدولة بحكم مسؤوليتها تجاه مواطنيها؟ هل ستتركهم لمصيرهم و«كل مين يدبر راسو»؟ وإن ليس كذلك، فمن أين ستأتي بالأموال لتمويل رواتب الموظفين وبرامج الإعانة الاجتماعية وتشغيل العاطلين عن العمل، وحتى مسيرات التأييد الكبرى بأعلامها وإذاعاتها الضخمة وتغطيتها الإعلامية المباشرة، ناهيك عن تمويلالعمليات العسكرية الأمنية التي لا يريد كل الآباء غير الشرعيين المذكورين أعلاه أن تتوقف..؟

وإذا ما تم اللجوء للاستدانة أو استدراج المنح من الحلفاء دولياً، أو إذا ما استمر استنزاف المخزون المالي الاستراتيجي في الخزينة فإلى أي حد زمني يمكن أن يستمر ذلك؟

دون أية أوهام، ولحل أحد تجليات وأسباب الأزمة، فإن مطارح وموارد التمويل الحقيقية معروفة، وهي موجودة في أموال النهب والفساد الكبيرين ودون الالتفات لذلك وامتلاك الإرادة السياسية لخوض هذه المعركة الداخلية بهدف إعادة ضخ تلك الأموال في الدورة الاقتصادية الإنتاجية السورية زراعياً وصناعياً لخلق نوع من الاكتفاء الذاتي، سنبقى أسرى التوصيف: «قراروضيع.. مؤامرة.. كيف يكونون عرباً ويعاقبون شعباً عربياً»..!

 

(3) الشعب والجيش ضحية واحدة للاستنزاف..

- استقواء بمواقف روسيا والصين يقابله استقواء بالجامعة أو الأطلسي الأمريكي التركي أو «إسرائيل»..

- تلويح بتدخل خارجي جديد أبرز معالمه اليوم «إرسال مراقبين» عرباً وأجانب(!) يعيدون ذكرى مفتشي «الأسلحة النووية العراقية».. ومآلات الأمور للعراق ككل وليس صدام وحده..

- حديث تعبوي إعلامي متزايد عن احتمال اندلاع حرب إقليمية أو استهداف لإيران..

- تصعيد مسلح موتور في الفعل ورد الفعل أو مدفوع ومأجور على نحو منظم..

- تصعيد أمني هستيري لا يظهر أنه يريد التمييز بين الاحتجاج والتسلح..

وإن الأكثر خطورة اليوم هو إنهاك الجيش السوري وارتفاع وتيرة استهدافه بما يعنيه ذلك من استنزاف للشعب عملياً، ويبدو أن لا حماية للجيش إلا بإنهاء الأزمة لأن ما يتعرض له الجيش اليوم هو أبشع شكل لتجلي أكثر الثنائيات الوهمية وأنماط الفرز الوهمي تشوهاً.

عندما يكون هناك في داخل سورية أو خارجها من يريد استمرار الاستعصاء فيها، فإنه عملياً، وأياً يكن موقعه، يسهم في إضعافها بالاستنزاف الداخلي دون الحاجة اليوم للتدخل الخارجي العسكري المباشر بالمعنى «الكلاسيكي»، لأن الاستنزاف عندما يأخذ حده من الترنح لا يحتاج الأمر لأكثر من «نكشة» ليسقط النظام نظرياً، ولكن حينها عملياً، أي بعد الاستنزاف على وقعاستمرار الثنائيات الوهمية التضليلية، ستسقط سورية بأوراقها الأربع آنفة الذكر.. و«تضيع الطاسة» وتعود محاولات إعادة إنتاج النظام بمعنى منظومة الفساد والنهب الشكلانية الديمقراطية والمحاصصة على أسس غير مألوفة سورياً.. ولكنها أصبحت قائمة في بعض دول الجوار.. والتي لم تخضع أحزابها وتياراتها وشخوصها لأي اختبار DNA...

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.