جامعة النظم العبرية... جامعة العبرانيون الجدد
في اليوم التالي مباشرة لاجتماع «جامعة النظم العبرية»، صدرت إحدى الصحف الحكومية المصرية بعنوانها الرئيسي المكتوب باللون الأحمر يقول «تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية»، وتحته مباشرة «سفير بشار يقول لمحمد بن جاسم (أنت عميل) ويسب نبيل العربي والجامعة».
يا للهول! لقد ارتكب السفير السوري خطيئة تاريخية لا تغتفر برفضه لقرار تسليم بلاده للأطلسي لكي يدمرها أسوة بليبيا والعراق من قبل.
أشارك الصحيفة غضبها، ولكن بطريقتي. إذ أرى أن خطيئة السفير تتمثل في أنه لم يخلع حذاءه و«..........» في مواجهة هذا الكيان الذي لم يسبق له التحرك بشكل ايجابي طوال سنوات خلت في قضايا مصيرية، بل كان أداة للعدوان على العرب، وتخلى تماماً عن مبررات وجوده التي كنا نأملها ونتوق إليها كإطار يجمع بلداننا ويحميها من التشتت.
بالتأكيد هناك أزمة في سورية يتطلب حلها عملية إصلاح جذري شامل وعميق . لكن الأسر الحاكمة في مشيخات النفط من سلالات «بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير» وفي إثرهم غالبية حكام باقي البلدان العربية لا يريدون حل الأزمة استجابة لأهداف سادتهم القابعين في واشنطن وتل أبيب وباقي العواصم الامبريالية . فقد تخلى هؤلاء عن أية قيم وطنية، وعن قيم الأخلاق والضمير، وقيم العدل الاجتماعي والحرية، وحولوا أوطانهم إلى سلع للبيع. لقد تحولوا إلى عبرانيين جدد وجماعات وظيفية يدفعون بشعوبنا إلى الهلاك.
لقد أجهدت «جامعة النظم العبرية» نفسها في ترجمة قرار تمت كتابته في واشنطن وأعلنته واضعة بصمتها عليه . لتعلن للعدو الصهيو– امبريالي ولاءها الكامل لأهدافه. لكن هذا القرار لا يعدو أن يكون استمراراً لمواقفها منذ سنوات. تلك المواقف التي تتصاعد طردياً مع الأزمة العميقة للامبريالية التي تقترب من الانهيار، والتي تجد في الهيمنة الكاملة على إقليمنا العربي– الإسلامي طوق نجاة، ولذا فقد اندفعت لغزو أفغانستان ثم العراق، وحطمت ليبيا واعتدت على لبنان بواسطة الكيان الصهيوني ولكنها منيت بهزيمة مرة على يد حزب الله . ثم على غزة وتكررت الهزيمة، وكانت المقاومة والممانعة بتضامن إيراني كامل هي ما أعاقت تمرير مشروع الهيمنة المتمثل في «الشرق الأوسط الجديد» بكل ما يحمله إقليمنا من قيمة إستراتيجية اقتصادية وجيو- سياسية.
يزداد العدو الامبريالي والصهيوني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية شراسة ووحشية كلما تعمقت أزمته التي نشهد وقائعها كل يوم متجلية في التحركات الجماهيرية العارمة المعادية للرأسمالية كنظام متوحش خصوصاً بعد أن أنفقت الولايات المتحدة وحدها في هذه المغامرات الحربية في العراق وأفغانستان 3 تريليون دولار غير آلاف القتلى والمعاقين ومن أصيبوا بأمراض عقلية، وهو ما كشف عن الأزمة الكامنة، ولم يحقق شيئاً بفعل المقاومة. وهاهم ينسحبون من العراق يجرون أذيال الخيبة.
ويزداد هلع عملاء الامبريالية والصهيونية في مشيخات النفط وغيرها خشية على مصائرهم المحتومة. ويعمق هذا الهلع ما يشهده عالمنا العربي من انفجارات ثورية امتدت إلى عتبات هذه المشيخات . بل وفي قلبها في البحرين التي لم يستسلم شعبها رغم الوحشية الهائلة وتدخل المشيخة النفطية الوهابية عسكرياً دون جدوى. هكذا يكون التابع أكثر وحشية ونزقاً وجنوناً من المتبوع، لأن مصيره معلق برباط حذاء المتبوع المشرف على الغرق.
من هنا يبدأ المشهد إزاء الثورات العربية ومحاولة إجهاضها باستخدام قوة المال كما يحدث في مصر، وإزاء ما يحدث في سورية، حيث بدأت احتجاجات مشروعة تعمل الامبريالية والصهيونية وعملائهما في العالم العربي على تسعير الوضع هناك بدعوى أنها ثورة، ويظهر صريحاً الحلف الأمريكي– الإسرائيلي– التركي– النفطي، مستعيناً بالإخوان المسلمين والسلفيين والقاعدة لتسليم سورية إلى الأطلسي والكيان الصهيوني بمقولة زائفة عن ثورة تجري الآن هي في حقيقتها ثورة مضادة لابد من تدارك مخاطرها سورياً بثورة حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. وأعتقد أن ذلك أصبح مدركاً هناك. وهنا تكمن الحقيقة وراء ما جرى في «جامعة النظم العبرية» التي لا ينبغي النظر لمشروعيتها القانونية من عدمه، وإنما للأسباب السياسية التي تمليها المصالح الصهيو– امبريالية ومصالح عملائهما في المنطقة. وهو ما ينطبق على تسعير الموقف ضد إيران والتهديد بالعدوان عليها، وعلى كل قوى المقاومة في الإقليم. إنها الثورة المضادة العالمية التي تستهدف وقف عجلة التطور التاريخي صوب التحرر والتقدم.
في هذا السياق يعلو نعيق يوسف القرضاوي من فناء القيادة العسكرية في قطر، كما يعلو نعيق المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، وكذا الإخوان في الأردن وغيرها مطالبين للأطلسي بالتدخل العسكري في سورية. كما يزداد نعيق أردوغان وحكومته الإخوانية سيراً على الدرب نفسه. أما في المغرب العربي فلا يزال الغنوشي يسير وفقاً لخط رياء أردوغان السابق لحين التمكين الفعلي له. لقد أصبح الأمر جلياً، في أن تيار الإخوان– السلفيين وكل قوى التبعية يسيرون وفق أوامر صهيو- امبريالية (أمريكية أساساً) تنقلها لهم أو تعلنها لهم مشيخات النفط الوهابية. إذ ترى القوى المعادية أن هذا التيار هو الأمين على مشروع الاقتصاد الحر الضامن للتبعية ولتمرير الصلح العربي مع العدو الصهيوني، وتمكين الأمريكيين والصهاينة من الهيمنة على الإقليم بعد تفتيته إلى إمارات صغيرة متخلفة وعاجزة تستخدم شتى أشكال الإرهاب المادي والروحي ضد شعوبنا.
لكن مالا يجب أن ننساه هو أن أعمدة المعبد الرأسمالي الامبريالي تهتز بشدة، وأن بنيانه يقترب من الانهيار، وأن بلداننا حبلى بالثورة، وأن ثوراتها قابلة للاكتمال بثورات جديدة يمكنها أن تتجاوز قصور النخب السياسية التي تعادي طموحات شعوبنا، وأن نضالاتنا في كل بلداننا لابد أن تتكامل، أن نقيم تحالفاتنا على برامج وطنية– طبقية– ديمقراطية تحشد طبقات الفعل الثوري التي اكتشفت الحقيقة إلى حد كبير.
إن كنس كل النفايات السياسية المتطفلة على أجساد شعوبنا وكشف ريائها وزيفها واجب حال مهما كانت صعوبته. ولا يشفع لأحد منهم أي كلام معسول. فقد تلاشت المساحات الرمادية، فلا يمكن مثلاً أن نغفر لوزير الخارجية المصري موقفه في التصويت على قرار العار، وإعلانه أنه ضد التدخل الأجنبي قي سورية، ذلك الإعلان الذي يشي بأمور يجب توضيحها لأنه لم يحدث عفوياً وتلقائياً.
إن الواجب المحتم هو وقوفنا بجانب سورية في مواجهة كل الأعداء. لأن الخطر حال على الجميع.