لماذا تدافعون عن ممارسة الغنوشي التطبيعية؟
قام الغنوشي بخطوات تطبيعية مع الصهاينة، فزيارته للولايات المتحدة ولقاؤه مع منظمة ايباك ليست من باب الصدفة، أو أن الرجل لايعي انعكاساتها، ولا يعرف ما تهدف إليه، لأن منظمة «ايباك» معروفة لاصغر عامل في السياسة، لأنها منظمة صهيونية لها ثقلها على الأرض الأمريكية، ولها دورها البارز في صناعة القرار الأمريكي.
لقاء الغنوشي مع «ايباك» هذه المنظمة الصهيونية لا يصب في باب الخطأ غير المقصود، لأن الشيخ الغنوشي له تاريخه الذي يعتد به، وهو بلا شك كان قبل هذه الممارسة التطبيعية يشار إليه أنه من رموز المناضلين، الذين ناضلوا ضد كل أنواع القهر والجبروت والطغيان، وله اسمه الذي لا يستطيع أحد أن ينكره في الساحة السياسية، وخاصة في الإسلام السياسي كرمز من رموز الحركات الإسلامية المناهضة، ولا يمكن له أن يسقط هذه السقطة عن جهل ودون وعي.
الغنوشي قد حضر مؤتمر دافوس وهو من يعرف تمام المعرفة أن هذا المؤتمر يقوده ويخطط له الحركة الصهيونية فقد دعي له إلى جانب رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران والذي صرح أن الحركات الإسلامية اكثر انفتاحاً مما يظن البعض وقال «نحن منفتحون جداً ويمكننا ضمان مصالحكم واستثماراتكم بصورة افضل من قبل، ومصالحنا متكاملة، ماذا تريدون اكثر من ذلك». وقد أكد كل من راشد الغنوشي وبنكيران «أن على الفلسطينيين أن يقرروا بأنفسعهم شأن طبيعة علاقاتهم باسرائيل» مما يعني خروج دائرة الصراع العربي الصهيوني من بعده القومي أو الديني.
المنصف المرزوقي رئيس النظام التونسي الجديد، والذي جاء بصفقة مع الغنوشي وحركته الإسلامية، التي فازت كأكثر تنظيم سياسي في الانتخابات البرلمانية، صرح قبل ذلك أن تونس ليس لها أعداء، وعلى الفلسطينيين أن يحلوا مشاكلهم مع الإسرائيليين بأنفسهم، فماذا يعني ذلك غير التطبيع بعينه مع الكيان الصهيوني؟ لأنه لا ينظر لهذا الكيان أنه قائم على العدوان على أرض فلسطين، وأن مجرد وجوده يشكل خطراًً على الأمة العربية جمعاء بما فيها تونس.
لماذا لايصدر الغنوشي نفسه بياناً ينكر فيه ممارسته التطبيعية، أو على الأقل أنه لايعرف ذلك، حتى من باب ستر العورة، وأن نظامه السياسي في تونس لا يمارس التطبيع، والتحالف مع العملاء الموجهين من المخابرات الأمريكية وعملائها في المنطقة، هل هناك خيانة حلال وأخرى حرام؟ أم على طريقة المراجع الدينية التي تصدر الفتاوى الخيانية في السر وتخشى أن تكون في العلن، فهي تريد أن تمارس الرذيلة والطهارة في في آن واحد، ثم لأولئك الذين يقفون في وجه المناضلة القومية الشجاعة في المؤتمر، أما زلتم تظنون أنفسكم مراجع دينية أو قومية، فهل ما زلتم في قمقم البابوية التي تودون أن تطمسوا فيها وجه الحقيقة، وتسعون لتغطية حقيقة السقوط بغربال؟
نظام تونس الذي يهيمن عليه الغنوشي انحرف عن المبادئ الوطنية والقومية والدينية، فمن المسؤول عن هذا الانحراف غير حركة الغنوشي؟ فإذا كان نظام زين العابدين قد مارس الخيانة الوطنية في السر فبات هؤلاء يمارسونها في العلن، ثم انظروا لحجم التذمر الشعبي التونسي من الممارسات الحكومية، وتمعنوا فيما يجري في أروقة مؤتمركم العتيد يا سادة، ولماذا الإصرار على لوي عنق الحقيقة، وممارسة الضغط على الآخرين الذين يملكون وجهة نظر مغايرة لتوجهاتكم، او نقداً لممارسات خاطئة لشيوخكم، رغم أن المواطن العربي لم يعد يشتري شيئاً مما يقوله هؤلاء الشيوخ، لأنهم يمارسون الفعل وضده، ولأنهم ينظرون ويعملون بعكس ما ينظرون.
الغنوشي قد مارس التطبيع ويحكم عليه كما يحكم على كل المطبعين فلا قدسية لأحد، فالأمة تنهض بالرؤيا الصادقة، والإيمان الحقيقي بمبادئها لا بالانتهازية السياسية، وأي واحد من أبنائها يحترم بقدر أفعاله في خدمة الأمة والتزامه بمبادئها، وفي مقدمتها أن فلسطين قضية الأمة المركزية، وأن الصراع مع الصهيونية صراع وجود وليس صراع حدود، ومن ينظر إلى الصراع بأنه فلسطيني «إسرائيلي» فهو معاد للأمة، ومتخل عن مبادئها القومية والدينية، وأي سقوط سياسي لا يضير الامة، فهذه أمة رسالة قادرة أن تنجب أفذاذاً وأبطالاً يحملون مشروعها وتعيد مسيرتها الأولى.
لماذا يسقط الإسلام السياسي بشقيه بهذه السرعة، وقبل أن يتلذذ بطعم السلطة؟ وهل ذلك عائد إلى تحالفات سرية مع الإمبريالية الغربية، وبشكل خاص الأمريكية قبل ما أطلقنا عليه الربيع العربي؟ وقبل احتلال بغداد أيضاً، واذا كانت هذه إفرازات هذا الربيع، فهل كان بعيداً عن نظرية المؤامرة على الأمة، حيث انتهى دور البعض من عملاء أمريكا في النظام العربي الرسمي، ولابد من الخلاص منهم، لأنهم لم يعودوا يمثلون الدور المطلوب منهم، ووجدت أمريكا ضالتها في الإسلام السياسي الذي سقط بسرعة فاقت كل التصورات، فمن يرى ممارسات رموز الإسلام السياسي في العراق وتونس ومصر وليبيا، وما يحاك اليوم ضد سورية لابد وأن يصل إلى نتيجة واحدة، أن هناك اتفاقاً سرياً بين الإسلام السياسي والمخابرات الأمريكية لقيادة النظام العربي الرسمي، مع بقية دول النظام الرجعية، والتي باتت مخلباً تنفيذياً لهذه المخابرات، سواء في ليبيا أو ما يجري على الأرض في سورية، والطامة الكبرى أن هؤلاء كانوا يشكون من غياب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على الأرض العربية، فترى تحالفاتهم مع أمريكا وعملائها في المنطقة الذين لا علاقة لهم بكل هذه الشعارات لا من قريب ولا من بعيد.
الإسلام بكل تأكيد بريء من ممارسات الذين اتخذوا منه طريقاً للوصول إلى السلطة بأي ثمن، ولوي عنقه بتأويلات واجتهادات ليست مما يدعو إليه، تعتبر انحرافاً عن الإيمان بمبادئه، لأنه دين تحرر وليس دين عبودية، ولا يضير الإسلام هؤلاء المنحرفون، الذين يريدون تحقيق مآربهم الشخصية على حساب العقيدة والمبادئ، وأي اتصال مع العدو الصهيوني أو التخلي عن قضية فلسطين كقضية مركزية للأمة، تتجاوز التطبيع إلى حد الخيانة، ولا ينفع إصدار التصريحات اللفظية بعد ممارسة الفعل التطبيعي في أحضان «ايباك» ودافوس.