انتخبوا أنفسكم!
د. أحمد الخميسي د. أحمد الخميسي

انتخبوا أنفسكم!

أرجو ألا يتصور الناس أن معركتهم كانت «ضد مبارك» ثم أصبحت «ضد  الإخوان»، وستصبح «ضد شفيق». لقد سعى النظام ويسعى لشخصنة المعركة، وإفراغ الطاقات في اتجاه أفراد وشخصيات فتصبح المعركة «ضد فلان» وليس ضد جذور هذا النظام. المعركة ضد أسس اقتصادية واجتماعية وسياسية لنظام كامل، وكل أولئك الأشخاص رموز لنظام، قد تتبدل الرموز ويبقى التجويع والتجهيل والإفقار والتبعية الاقتصادية والسياسية. 

قبل الانتخابات بيوم أو يومين مازال الكثيرون حائرين: من ينتخبون؟ مرسي؟ أم شفيق؟ شفيق أم مرسي؟. من ينادون بانتخاب مرسي يقولون إنه ليس من الفلول، لأن الإخوان من معسكر الثورة، أما شفيق فهو ينتمي بوضوح إلى أعمدة حكم مبارك. لكن هل الإخوان حقاً من معسكر الثورة؟ يرى البعض ذلك لسبب واحد أنهم طالما رزحوا تحت نير المعتقلات والسجون. ولكن ليس كل من سجن في عهد مبارك أو في غيرعهد مبارك ينسب لمعسكر الثورة. الاعتقال والسجن بحد ذاته لا يعني الانتماء للثورة، فقد سجن البعض بتهم عديدة، كما اختلف البعض مع نظام عبد الناصر، والسادات ومبارك خلافات سياسية لا تؤدي للقول بأن أولئك الذين اختلفوا كانوا من معسكر الثورة. الانتماء لمعسكر الثورة يتحدد بناء على البرنامج الذي تعتنقه هذه القوى أو تلك. وبرنامج الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامي السياسي عامة، برنامج رجعي ليس فيه نقطة واحدة تلتقي بأحلام الثورة. الشعب، والثورة، تبحث عن طريق للاستقلال الوطني، والتصنيع، وتوظيف كل طاقات المجتمع، وتوزيع عادل للثروة ينفي الفقر المدقع في طرف، والثراء الفاحش في طرف. برنامج الإخوان والتيار السياسي الإسلامي عامة ليس فيه ما يتفق مع برنامج الثورة. فهم يؤمنون بالنظام الاقتصادي الذي استخدمه مبارك لتجويع الشعب، أي بالحرية الاقتصادية دون تدخل من الدولة في إدارة شؤون الاقتصاد، وهم يؤمنون بالتجارة والملكية الفردية، وهم يقفون ضد عمل المرأة التي تشكل نصف المجتمع أي يقفون ضد تطور المجتمع أصلاً، أما عن التوزيع العادل للدخل القومي فإن شعارهم الثابت أن الإنسان خلق «طبقات» بالمعنى الاقتصادي وليس بالمعنى الإنساني. إن تياراً يجعل همه كله تحقير المرأة والثقافة والإبداع والتعليم لا يمكن أن ينتمي لا من قريب أو بعيد لمعسكر الثورة حتى لو كان أفراده قد تعرضوا للتنكيل والاعتقالات، فما يعنيني هنا ليس الحبس، لكن البرنامج، والبرنامج هو وحده الذي يفصل من مع الثورة؟ ومن ضدها؟ على الصعيد الوطني الإخوان حتى قبل أن يصلوا للحكم بدؤوا اتصالاتهم بإسرائيل، وأمريكا، وأبدوا المرونة الكافية في تلك الاتصالات، وأعطوا الإشارات الكافية بأنهم لا يقفون ضد كامب ديفيد ولا ضد التبعية الاقتصادية والسياسية. ففيم إذن يحسب الإخوان والتيار السياسي الإسلامي على الثورة؟

الجانب الآخر الذي يدعو لانتخاب شفيق لا يقل إضحاكاً. إذ يرى أصحاب وجهة النظر تلك أن شفيق سيحمي «الدولة المدنية». عن أية دولة مدنية يتحدثون إذن؟ عن دولة مبارك؟ لأن شفيق أقوى امتداد لمبارك. فهل يمكن أن تقام دولة مدنية في ظل تجويع تلك الدولة للشعب حتى أصبح أربعون بالمئة من أبنائه يعيشون تحت خط الفقر، وأربعون بالمئة يعيشون تحت خط الجهل؟ أهذه هي ملامح الدولة المدنية التي يريدونها؟ دولة تجوع وتنشر الجهل وترعى الفتن الطائفية وتعتقل وتصادر وتطارد؟. إن كان هذا هو مفهومهم للدولة المدنية، فإن الشعب يريد شيئا آخر في واقع الأمر: دولة عادلة، وحينما تكون الدولة عادلة فإنها تكون مدنية. لكن ليس العكس. ففي فرنسا دولة مدنية، لكنها تطارد المهاجرين بقسوة، وفي بريطانيا دولة مدنية، لكنها تطارد الفقراء دون رحمة، ما نريده هو دولة عادلة، متطورة، مستقلة وطنيا، يأكل فيها أبناؤها مما يزرعون ومما يصنعون.

ما زال الناس قبل الانتخابات الرئاسية بيوم أو يومين حائرين: من ينتخبون؟ مرسي؟ أم شفيق؟ شفيق أم مرسي؟ وأقول لهم: لا هذا ولا ذاك. انتخبوا أنفسكم. انتخبوا أحلامكم أنتم. أنتم قادرون وأذكياء وفي مصر من الكفاءات ما لا يحصى وما لا يعد، انتخبوا د. محمد غنيم الذي أقام مستشفى للفقراء في المنصورة صار حديث العالم، انتخبوا أي مواطن يشعر بآلام الشعب ومجاعته وفقره، انتخبوا أنفسكم ولا أحد آخر. وقفوا مع أمنياتكم. لماذا تبحثون عمن يعبر عنكم؟ وأنتم قادرون على التعبير عن أنفسكم؟ أنتم القوة كلها وأنتم المستقبل كله. لابد للناس الآن من الاحتشاد في جبهة أو في تنظيم كبير، وأن يحددوا ما الذي يريدونه لمصر، وألا ينتخبوا أحداً سواهم هم. إني لا أثق إلا فيكم أنتم، وأعطيكم صوتي من الآن وأنا مغمض العينين.