لماذا تهاوت الولايات المتحدة بهذه السرعة؟
قال توماس أديسون: «المعارضة هي أسمى أشكال الوطنية، ولأنني أحبّ بلدي، غالباً ما أنتقد أخطاء أمريكا سعياً لجعلها أفضل». لكن الحقيقة هي أنّ الولايات المتّحدة ليست باستثناء، شأنها شأن سائر الإمبراطوريات التي بلغت ذروتها، وسرعان ما تحطّمت لاحقاً
لقد ذكرنا عام 2008، مايلي:
سابقاً، أشار الصحافي المخضرم والباحث السياسي «كيفن فيليبس» إلى خضوع كل إمبراطورية كبرى، خلال مئات السنين الأخيرة، لدورة متوقعة من الانهيار، غالباً تتراوح بين 10-20 عاماً التي تلي بلوغها ذروة القوة، المؤشّرات هي دائماً ذاتها:
• «سيادة رأس المال المالي» في الاقتصاد، بالانتقال من التصنيع إلى المضاربة.
• مستويات مرتفعة من الديون.
• لامساواة اقتصادية حادّة.
• ونفقات عسكريّة تخطّت الحدّ.
كيف تتهاوى الإمبراطوريات؟
يقدّم «بول فاريل» تحليلاً بصورة أشمل، مقتبساً عن «جاريد دايموند» و«مارك فايبر»:
في كتابه «الانهيار»، يتحدّث دايموند كيف تختار المجتمعات أن تفشل أو تنجح، ويدرس انهيار الحضارات عبر التاريخ، حيث يجد أنّ الحضارات تتشارك بمنحنى حاد للانهيار. وبالتّأكيد، فإنّ نهاية مجتمع ما، تبدأ بعد عقد أو عقدين من بلوغه الذروة، من حيث السكّان، الثروة، والقوّة..
أما الدكتور الاقتصادي فايبر، فيقول: كيف لي أن أكون بهذه الثقة بشأن الانهيار الأخير؟
من بين جميع الأسئلة التي تراودني بشأن المستقبل، هذا هو الأسهل للإجابة عليه. ما أن يصبح مجتمع ما مزدهراً، يتحوّل إلى مجتمع مغرور، متغطرس، منحطّ، فاسد، مبذّر، حروب مكلفة، توزيع غير عادل للثروات، تزايد في التشنّج الاجتماعي، وهكذا يدخل المجتمع في نفق تراجع مدني..
كيف يساهم السياسيون، و«وول ستريت» في الانهيار؟
على المستوى السياسي، لم تتوفّر الشجاعة الكافية لدى البيت الأبيض أو الكونغرس لاعتماد نمط تفكير للمدى البعيد، كما لاتخاذ قرارات جريئة، شجاعة، واستشرافية. طبعاً الكميّات الكبيرة من هبات وول ستريت لم تضرّ، ولكن أيضاً كان هناك ترويج لمذهب التحرير من غرينسبان، روبن، جنسلر، وآخرين ممّن بشّروا أنّ الاقتصاد كان قادراً على ضبط توازنه بنفسه. هذا النوع من الإيديولوجيات الخاطئة يمكنه فقط الانتشار خلال أوقات الوفرة والرضا، عندما تكون الإمبراطورية في أوج ذروتها، ويمكن للناس خداع أنفسهم بفكرة أنّ «الإمبراطورية كانت دوماً مزدهرة، لقد حللنا كل المشكلات ونحن مستمرون بالتّقدم دائماً». (بالمصادفة، فإن هذا النوع من التفكير الخاطىء كان شائعاً عام 1920، عندما قالت الحكومة والقادة الاقتصاديون إنّ «النظام المصرفي الحديث» المشرف على الاحتياطي الفدرالي، قد قضى على عدم التوازن مرة وإلى الأبد).
بالنسبة لوول ستريت، فإنّ أفضل وقت للنهب هو عندما تكون ضحيّتك في أوج ثروتها، ومع تواجد أمريكا في فقّاعة ضخمة من الثروة والقوة، امتصّ لصوص «وول ستريت» مبالغ طائلة عبر قروض رهن عقاري احتيالية، خطط التأمين، تبادل تجاري مرتفع الوتيرة، وبرك الظلام، وكل ما تبقّى.
مثل قاطع الطريق الذي ينتظر ريثما تنتهي ضحيّته من سحب المال من الصرّاف الآلي، المجرمون أصحاب الياقات البيضاء، انقضّوا عندما كان اقتصاد أمريكا ينفجر (أقلّه على الورق). ونظراً لأنّ الناس كانوا بحالة منتشية من الاستهلاك، والسياسيون يفيضون بالمال، فإن مهمّة المجرمين باتت أسهل.
إن أية دراسة تتناول انهيار الإمبراطورية الرومانية أو أية إمبراطورية أخرى، ستظهر أمراً مشابهاً جدّاً.
لقد أشرنا في عام 2010، إلى أنّ الإمبراطوريات التي انهارت كنتيجة حتميّة لاتباعها سياسات اقتصادية متهورة أكثر عدداً من تلك التي انهارت بسبب الغزو العسكري. كانت اللامساواة، بالتّأكيد، واحدة من أبرز الأسباب الرئيسيّة لانهيار الإمبراطورية الرومانيّة، واللامساواة في أمريكا هي أسوأ ممّا كانت عليه في روما القديمة. في الواقع، اللامساواة في أمريكا اليوم هي أضعاف السوء عمّا كانت عليه في روما القديمة، وأسوأ عمّا كانت عليه في روسيا القيصرية، وأسوأ من العصر الذهبي لأمريكا، ومصر الجديدة، وتونس أو اليمن، والعديد من جمهوريّات الموز في أمريكا اللّاتينية، وأسوأ ممّا اختبره العبيد في عام 1774 خلال الاستعمار الأمريكي.
سيادة رأس المال المالي
نعم لقد حصلنا على هذا في ورق اللعب، وأظهر الاقتصادي ستيف كين أن: «مرحلة مستقرة تظهر أن 1% من الناتج المحلي الإجمالي هي أرباح للمصارف». وهذا الربح العالي للمصارف يقود إلى إحباط. ولكن السياسة الحكوميّة كانت تشجّع نمو القطاع المصرفي لعقود.
نفقات عسكريّة باهظة؟
الحرب بالعراق التي ستنتهي بكلفة من 5 إلى 6 ترليون دولار، قد أطلقت بناء على تبريرات خاطئة، ولا شكّ أنّ الحكومة قد خطّطت لحرب أفغانستان والعراق معاً قبل أحداث الحادي عشر من أيلول. ومن المثير للسخرية أنّ القوّة العسكريّة هي من جعلنا قوّة عظمى، ولكن قوّتنا العسكرية الهائلة تفلسنا كما تدمّر مكانتنا كإمبراطورية..