الفقر الأمريكي بالأرقام
من شأن اقتصاد أخلاقي معاصر أن يأخذ بالحسبان تراكم الثروة المتصاعد على حساب أغلبية البشر ومستقبل الكوكب. ومن شأنه أن يفرد حيزاً لإدانة عملية إعادة إنتاج طبقة الفقراء المتسعة باطراد من الناس المكافحين لأجل البقاء في ظل بذخ وتبذير أولئك الأثرياء الذين لا يتعدون 1% من السكان في الولايات المتحدة ذاتها.
إليكم بعض الحقائق:
في أوائل عام 2011، ذكرت دائرة الإحصاء السكاني الأمريكية أن 14.3% من السكان، أي 47 مليون، ما يعادل سدس الأمريكيين، يعيشون تحت خط الفقر المحدد حالياً بمبلغ 22.400 دولار سنوياً لعائلة مكونة من أربعة أفراد. وأن حوالي 19 مليون إنسان يعيشون فيما يسمى فقراً مدقعاً، أي أن دخل العائلة الواحدة من بينهم ينخفض إلى ما دون نصف دخل العائلة المحسوبة ضمن الشريحة السابقة ممن يعيشون تحت خط الفقر. ويشكل الأطفال ثلث هذه الشريحة الأشد فقراً. وفي الواقع، يعاني من الفقر أكثر من نصف الأطفال تحت السادسة من العمر ويعيشون مع أمهات عازبات. وتتوقع إميلي مونيا وإيزابيل سوهيل الباحثتان في «معهد بروكينغز»، بعد معاينتهما لهذه الأرقام أن تشهد معدلات الفقر وإملاق الأطفال ارتفاعاً أكثر حدة في الولايات المتحدة في المستقبل القريب.
يحاول بعض الخبراء التشكيك بصحة هذه الأرقام بزعم أنها تتجاهل المساعدة التي يحصل عليها الفقراء من خلال برنامج طوابع الغذاء، وتفاوت تكاليف المعيشة بين المناطق المختلفة!! بينما في الحقيقة، ورغم سوء الواقع الذي تعكسه الأرقام، إلا أنها ناقصة لا تعبر عن كامل الحقيقة، لأن أحوال الفقراء قد بلغت الأسوأ حالياً. إذ تحدَّد خط الفقر رسمياً، في عام 1959، بثلاثة أضعاف الميزانية الغذائية، وتم ضبطه وتعديله وفقاً لتضخم أسعار المواد الغذائية فقط. أي أن خط الفقر الأمريكي، بتعبير آخر، يتجاهل تكلفة السكن والوقود والنقل والطبابة، التي ترتفع أسعارها باطراد وبسرعة أكبر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية. مما يعني أن المعيار العام للفقر يواري الحقيقة ويخفـّض رقم مبلغ الحد الأدنى الضروري للعيش.
علاوة على ذلك، وفي عام 2006 وحده، كانت مدفوعات الفائدة على الديون الاستهلاكية قد أنزلت إلى ما دون خط الفقر فعلياً أكثر من أربعة ملايين شخص، من غير المحسوبين ضمن الفقراء رسمياً، محولة إياهم إلى «فقراء دَين». وبالمثل، إذا كانت تكلفة رعاية الأطفال، في عام 2006، قد قـُدِّرت بمبلغ 5750 دولار/ سنة مقطوعة من الدخل الإجمالي للعائلة، فسوف يـُضاف المزيد من الناس إلى قوائم الفقراء المعترف بهم رسمياً.
إن مستويات الفقر الكارثية هذه، ببساطة، ليست مجرد نتيجة آنية مؤقتة لارتفاع معدلات البطالة أو تخفيضات الأجور الناجمة عن انهيار عام 2008 الاقتصادي. ذلك أن الأرقام تروي قصة الفقر المتزايد منذ ضربة الكساد العظيم، بوضوح لا لبس فيه. فقد ازداد الفقر حتى حطم أرقامه القياسية السابقة لأول مرة في الفترة ما بين عامي 2001 و2007، أثناء فترة من فترات الانتعاش الاقتصادي، فارتفعت نسبته من 11.7% في عام 2001، إلى 12.5%، في عام 2007، حين كان معدل الفقر بين الأمهات العازبات، بنسبته البالغة 49%، هو الأعلى بين خمس عشرة دولة من الدول المصنفة بين الأكثر دخلاً. وكذلك الأمر بالنسبة لمعدلات توظيف الزنوج ومداخيلهم التي كانت تنخفض باستمرار قبل حلول الركود الاقتصادي عام 2008.
في جانب منها، برزت كل هذه التداعيات كنتيجة حتمية لعقود طويلة من سياسة اتبعها البيزنس بهدف تخفيض تكلفة اليد العاملة، عبر إضعافه النقابات وتغيير السياسات العامة التي ضمنت حماية العمال ونقاباتهم. ونتيجة لذلك، أمست قرارات «المجلس القومي للعمل» بعيدة عن تلبية طموحات العمال والنقابات على السواء، ولم تعد تطبق القوانين الخاصة بأماكن العمل، وتدني الحد الأدنى للأجور بفعل التضخم.
وبالتأكيد، أدى التأثير الشامل لحملة تخفيض حصة العمال من الثروة القومية إلى رمي مزيد من الأمريكيين للعيش تحت مستوى خط الفقر، والأنكى أن الفقراء وبرامج المساعدات التي يفترض أن تعينهم باتوا أهدافاً لحملة شاملة تُشن عليهم مباشرة.