بازار الانتخابات الأمريكية
د. فايز رشيد د. فايز رشيد

بازار الانتخابات الأمريكية

كالعادة، في كل حملة انتخابية أمريكية، يتسابق الجمهوريون والديمقراطيون في المزايدة على من هو الحزب الأفضل والأكثر خدمة لـ«إسرائيل»، وكأننا في مزاد علني أو في بازار تجاري . آخر تقليعة في الحملة الانتخابية الحالية هي أن الجمهوريين يتهمون أوباما بأنه ليس صديقاً لـ«إسرائيل»! إذ يتهمونه بـ«أنه يطالب «الإسرائيليين» بعمل الكثير ولا يطالب الفلسطينيين بمثل ذلك».

لقد استغل الحزب الجمهوري دعوة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا الصريحة (الجمعة الثانية من ديسمبر الحالي) لـ«إسرائيل» «بالعودة إلى طاولة التفاوض مع الفلسطينيين». تصوروا هذه المهزلة! فهذا التصريح جرى استغلاله وكأن أوباما يكن العداء للدولة الصهيونية.

الرئيس الأمريكي وأركان إدارته وحزبه الديمقراطي يردون الاتهامات: إعلان المزيد من الولاء لـ«إسرائيل»، فأوباما أكد في تصريح له مؤخراً في حملة لجمع التبرعات في نيويورك بأنه لا يوجد حليف أكثر أهمية له من دولة «إسرائيل»، مشدداً على التزامه بالمساعدة على حمايتها، مذكراً بأن هذه الإدارة قامت بأكثر مما قامت به أي إدارة أمريكية سابقة في خدمة «إسرائيل»، وبأن هذا ليس رأينا فحسب بل رأي الحكومة «الإسرائيلية».

«إسرائيل» وعلى الطريقة الشايلوكية تقوم بابتزاز الطرفين لإعلان المزيد من الخطوات من قبل الحزبين لتأييدها، ولذلك وبالرغم من أن إدارة أوباما قدّمت لها الكثير من الخطوات: التراجع عن وقف الاستيطان كشرط للتفاوض مع الفلسطينيين، الالتزام الاستراتيجي بالأمن «الإسرائيلي» وحمايتها كدولة، زيادة المساعدات العسكرية والمالية الأخرى المقدمة إليها، القبة الصاروخية لحماية أجوائها، التعاون الاستخباراتي الأمني معها، تبني كافة مواقفها في رؤيتها للتسوية في الشرق الأوسط، والتعهد بإفشال الخطوة الفلسطينية لكسب اعتراف دولي في الأمم المتحدة بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 الوقوف معها في كل مواقفها السياسية في المحافل الدولية، بدءاً من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وفي كافة المنظمات التابعة لها، كاليونسكو مثلاً، وصولاً إلى تمهيد الطريق إليها لبناء تحالفاتها السياسية على صعيد العالم أجمع، بكافة الوسائل والطرق بما في ذلك الضغط على دول عديدة في العالم لتقف مع «إسرائيل»، رغم ذلك، فإن التنظيمات اليهودية الصهيونية في أمريكا تلعب على الحبلين، فقد التقى معظم مرشحي الرئاسة الجمهوريين في واشنطن (الأربعاء 7 ديسمبر الحالي) في منتدى نظمه ائتلاف يهودي أمريكي. أيضاً وفي إحصائية أمريكية فإن شعبية الرئيس أوباما بين اليهود في الولايات المتحدة تراجعت كثيراً، فاللوبي الصهيوني في أمريكا وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2008 صوت أفراده لمصلحة أوباما بنسبة 78% ومنحوه نسبة مذهلة وصلت إلى 83% من الرضا عن أدائه في  كانون الثاني من العام 2009. الآن وطبقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها معهد غالوب، فإن نسبة التأييد لأوباما بين اليهود الأمريكيين وصلت إلى 54% . لاحظوا النسبة التي تشير إلى انقسام رأي اليهود الأمريكيين بين الحزبين بالتساوي في الحملة الانتخابية، وهو ما يثبت بأنه ليس انقساماً عفوياً بل هو انقسام جرى التخطيط له بهدف ممارسة الابتزاز على الحزبين.

بعد انتهاء ولاية كل رئيس أمريكي (منذ إنشاء الدولة الصهيونية وحتى اليوم) نخرج بانطباع هو أن هذا الرئيس هو الأكبر والأكثر مساندة لـ«إسرائيل»، وتقديم مساعدات لها، حيث إن هذا الأمر تكرر مع كل رئيس أمريكي، ما يدل على أن العلاقات الأمريكية- «الإسرائيلية» هي إستراتيجية، تحالفية عضوية، يرسم قواعدها المجمع الصناعي العسكري المالي الأمني في الولايات المتحدة بالتعاون مع اللوبي الصهيوني، وبالتالي فهو التقاء مصالح استعمارية هدفها في ما يتعلق بمنطقتنا السيطرة على ثرواتها، ولعل أهمها النفط، والعمل على أن تكون «إسرائيل» المكون الرئيسي للمنطقة، سواء كان ذلك من خلال الشرق الأوسط الجديد أو مشروعات أخرى شبيهة. الرؤساء الأمريكيون ملتزمون بهذه القواعد الإستراتيجية، فأمن ووجود «إسرائيل» أولاً، وثانياً وثالثاً وأخيراً، حتى وإن راوح أحد الرؤساء الأمريكيين خارج هذا الخط، لكنه لا يلبث أن يعود إلى القواعد الإستراتيجية. هكذا حصل مع الرئيس أوباما في حملته الرئاسية وفي الفترة الأولى من ولايته، ثم ما لبث أن عاد إلى تلك الأسس والمنطلقات. الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية هي بازار، في ما يتعلق بـ«إسرائيل».