ليبيا.. أساليب قديمة في ظل الراية الجديدة
«كانوا سيقولون عنك أنك أحد رجال القذافي لو رأوك تقود سيارة رباعية الدفع. أما الآن فكل واحد من قادة الثوار تقريباً لديه سيارة من هذا النوع رباعية». هكذا قال بشار وهو يخرج بسيارة الأجرة من واحدة من الاختناقات المرورية في طرابلس.
منذ سقوط المدينة في أيدي «الثوار» في أغسطس، شاهد هذا الشاب، البالغ 30 ربيعاً، كيف تتغير الحياة يوماً بعد يوم عبر الزجاج الأمامي المشروخ لسيارة الأجرة التي يملكها. وكغالبية الليبيين، لم يعرف بشار إلا شكلاً واحداً فقط من الحكومة، تلك تحت نظام القذافي.
صحيح أن الأمر يختلف اليوم، لكن بشار أبعد ما يكون عن الرضا بالسلطة التنفيذية التي عينت مؤخراً في ليبيا. «هل هذه هي الحرية والسلام التي كان يفترض بالثوار أن يأتوا بها؟»، يتساءل بشار وهو يمر عبر الحواجز التي تديرها الميليشيات... «هل هؤلاء هم القادة الجدد لليبيا؟».
الدمار جلي في باب العزيزية، القبو السكني السابق للقذافي. وندوب الحرب واضحة للعيان أيضاً في حي أبو سليم على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب من ساحة الشهداء في وسط مدينة طرابلس. وترسم الندوب والحفر من جميع الأحجام علامات على الجدران المحيطة بالنوافذ الضاربة للسواد، والتي تثير الدهشة بمنظرالغسيل المنشور فيها أحياناً.
منطقة البازار القديم تناضل أيضاً للعودة إلى وضعها الطبيعي. ولكن القليل من الأكشاك تفتح أبوابها في هذه السوق الكبيرة التي حولتها قنابل حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى ركام.
«الناس يغادرون»، كما يقول عبد الرحمن الذي أضاف الصنابير المستعملة مؤخراً بجانب معدات المطابخ التي كان يبيعها قبل اندلاع الحرب. «الجميع خائفون من دوريات الميليشيا. إنهم يقتحمون المنازل بحجة البحث عن الموالين للقذافي ويأخذون شبابنا إلى أماكن مجهولة».
لقد أعلنت نهاية الحرب رسمياً في 24 أكتوبر- بعد ثلاثة أيام من مقتل القذافي– لكن حي أبو سليم شهد حوادث عنف بين الميليشيات وأنصار القذافي المزعومين حتى شهر نوفمبر على الأقل. كذلك، فقد أفيد أيضاً عن سقوط ضحايا عدة الشهر الماضي في أعقاب اشتباكات ببني وليد، المعقل قبل الأخير للقذافي.
ويصعب القول ما إذا كانت ميليشيات القذافي المنظمة متورطة في هذه العمليات، أو ما إذا كان هذا مجرد رد فعل غاضب وعفوي من السكان الذين يعانون من المضايقات المستمرة والمداهمات والاعتقالات التعسفية.
أياً كان الأمر، فقد كشف تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي أن ثمة حوالي 7.000 شخص محتجزون في مراكز الاعتقال الليبية التي تسيطر عليها ميليشيات «اللواء الثوري».
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قبيل اجتماع لمجلس الأمن بشأن إعادة الإعمار في ليبيا بعد مقتل معمر القذافي، أن هناك أجانب وعديداً من النساء والأطفال بين المعتقلين. وقد تم تعذيب الكثيرين منهم، وفقاً للتقرير.
يفضل بلال، مثل الآخرين، عدم إعطاء اسمه الكامل. فقد كان يعمل كتاجر للتجزئة والالكترونيات في حي أبو سليم، وتم اعتقاله مع الكثيرين الذين كانوا محتجزين في سجن الجديدة، مركز الاعتقال الرئيسي في طرابلس.
لن ينسى بلال الأسبوع الجحيمي الذي قضاه هناك قبل أن يطلق سراحه دون أي شرح أو تفسير. «لقد اتهموني بالانضمام إلى ميليشيات القذافي وقتل امرأة وطفليها في حي سوق الجمعة (شرق طرابلس)».
ويسرد «تعرضت للتعذيب بالأقطاب الكهربائية والسجائر المشتعلة يومياً. وكانوا دائما يقولون لي أن لديهم شاهداً يؤكد شكوكهم، وأنني كلما اعترفت مبكراً كان ذلك أفضل لي».
ويواصل «في أحد الأيام، طلب مني أحدهم الوقوف إلى جانب الجدار الخلفي للزنزانة. ولاحظت أن أحد الأشخاص يراقبني من خلال ثقب الباب. وبعد ساعات قليلة طلبوا مني أخذ أشيائي والمغادرة». هناك الكثير من القصص المشابهة لهذه قصة خارج العاصمة الليبية أيضاً.
فقد ظهرت بلدة ماجر، على بعد 150 كيلومترا شرق طرابلس، على الخريطة بعد غارة جوية للناتو في 8 أغسطس. وقال المتحدث باسم حكومة القذافي في حينه، موسى إبراهيم، إن هناك 85 حالة وفاة بين المدنيين، أما الناتو فقد أشار إلى وجود «خسائر بين العسكريين والمرتزقة».
وأخبر أقارب العديد من المقتولين أنهم دفنوا 35 شخصاً. واليوم، هذه العائلات يمزقها الحزن لا على فقدان أحبائهم فقط، ولكن أيضاً بسبب خوفهم من تردد الميليشيات المستمر على هذا المعقل السابق للقذافي.
فيشتكي مروان المقيم بالمنطقة بعد تأكده من عدم وجود أحد يرصد دخولنا لمنزله: «لم يقتصر الأمر على عدم الاعتراف بنا أو تعويضنا، بل أصبحنا كبش فداء للنظام الجديد. فهم ينهبون ممتلكاتنا، ويسرقون سياراتنا ثم يتهموننا بهذه الجرائم، أو أي جرائم أخرى».
وفي طرابلس، لا يزال سليمان (40 عاماً) الذي جمع ثروته في عهد النظام المخلوع من البناء و«الاستيراد والتصدير»، يقود سيارته الفاخرة رباعية الدفع التي اقتناها منذ ثلاث سنوات. «بالطبع كان هناك فساد خلال سنوات حكم القذافي، ولكنني أشك أنه كان أكثر انتشاراً في ليبيا عن غيرها من بلدان الشرق الأوسط، أوحتى في بلدان أوربا المتوسطية».
ويعترف سليمان بأنه كان مخلصاً للعقيد المخلوع «حتى اليوم الذي مات فيه»، ولذا لم يكلف نفسه عناء رفع علم ليبيا الجديد بألوانه الثلاثة. إنه يمتلك عدة شقق في المنطقة، وهي تمثل رصيداً آمناً وسط حالة عدم اليقين لاقتصاد ما بعد الحرب.
ومهما يحمل الغد، فرجل الأعمال الناجح هذا لا يبدو قلقاً إزاء التغييرات العنيفة الأخيرة في بلاده. «نحن، كرجال أعمال نستطيع دائماً شق طريقنا عبر الغابة»، كما يقول سليمان. «علاوة على ذلك، فإن علاقاتي مع الحكومة الجديدة هي نفس العلاقات التي كنت أتمتع بها مع الحكومة السابقة».
• (آي بي إس)