تحطيم الدولة المصرية هو الهدف!
ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

تحطيم الدولة المصرية هو الهدف!

تسارعت الأحداث في مصر.. ويجري تصوير ما يحدث كما لو كان أحداثاً عشوائية، عفوية، مقطوعة بما جرى منذ بدايات الانفجار الثوري الذي حدث دون طليعة تسير به صوب تحقيق أهداف الشعب الثائر.

إن ما حدث في مصر تطبيق لخطة تم إعدادها بدقة لا يمكن فصلها عما يحدث في الاقليم كله من قزوين وحتى الأطلسي.

خلفية المشهد الراهن

جذور المشهد الراهن تعود إلى ما قبل الانفجار الثوري، وتؤتي ثمارها إلى اليوم. فالبلاد تعيش في ظل خرائط اجتماعية غاية في الخلل، تصاحبها خرائط سياسية لا تعبر عنها ، وفي ظل ذلك اختراقات أجنبية واسعة بحكم تشابك مصالح الطبقة المهيمنة مع رأس المال الصهيو – امبريالي من موقع التبعية، وبحكم التمويل الأجنبي الهائل الذي تضاعف مئات أو آلاف المرات منذ بدأ الانفجار الثوري. ويتعزز ذلك بفساد متمدد خالقا مناخا عاما فاسدا طال كل مؤسسات الدولة باستثناء مؤسسة واحدة هي الجيش. كما تمددت الطبقة الرأسمالية التابعة السائدة بكل فسادها وإفسادها إلى كل أجهزة الإعلام والثقافة في البلاد.

ذلك هو الواقع الذي حدث الانفجار الثوري في مواجهته. وهو ما كان يتطلب تحديد أهداف وخطوط عامة لبرنامج ثوري يشمل القضايا الوطنية، والاجتماعية – الاقتصادية، والديمقراطية كسبيكة واحدة لا يمكن تقسيمها، وهو ما لم يتم بسبب ضغوط الغالبية الساحقة من النخبة السياسية التي انقضت لتعويق أي برنامج ثوري اكتفاء بتقسيم كعكة الوطن على مكوناتها، مضافا لذلك حكومة عصام شرف الذي قفز إلى منصب رئيس الوزراء بطريقة انتهازية وسيناريو معد سلفا من الإخوان المسلمين ومن على منصتهم في ميدان التحرير، وهي الحكومة التي اتبعت نهجا بيروقراطيا يغلفه رياء شديد ومحاولات احتواء فارغة، وضيق أفق أو سلوك متعمد تخلت فيه عن أي رؤية استراتيجية اكتفاء بالعمل بالتجزئة ، وبادعاء وضعت بمقتضاه استقرار الوطن في مواجهة التغيير المشهود حفاظا على أوضاع الطبقة اللصوصية.

ومن هنا فقد تعزز المناخ الملائم للنخبة السياسية أن تركب المشهد السياسي وتسير بثبات على طريق تقسيم كعكة الوطن.

لكن الأكثر خطرا كان الموقف المعادي للجيش، الذي كان مواكبا للأيام الأولى للانفجار الثوري وقبل خلع مبارك. إذ بينما كانت الجماهير لا تزال تهتف الجيش والشعب يد واحدة. كانت المنشورات التحريضية المعادية للجيش توزع علنا وبكثافة في ميدان التحرير. وكان الكذب والافتراءات والشائعات تطلق ضده بكثافة ليس لها نظير.

تطوير الهجمة المضادة

لم يقتصر الأمر على المنشورات والتهجمات على الجيش بشكل فاق مئات المرات ما وجه لجيش الكيان الصهيوني منذ عام 1948، أو الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي نكلت ولا تزال بالشعوب العربية. ولكن تخطت الأمور ذلك إلى محاولة الهجوم على القيادة العامة للقوات المسلحة وبالتزامن تماما مع محاولة الهجوم على مقر قيادة الجيش الثالث في السويس ومقر القيادة الشمالية في الاسكندرية. هل تم كل ذلك عشوائيا وعفويا دون تخطيط وإعداد؟

راهنا محاولات الهجوم على وزارة الداخلية في أحداث شارع محمد محمود. ثم حصار مجلس الوزراء ومحاولات اقتحامه، ومنع الحكومة من عقد اجتماعاتها به. ومحاولة اقتحام مقري مجلسي الشعب والشورى (وكلها مقرات في شارع قصر العيني) وما جرى من تطاولات وإهانات ومحاولات للاشتباك مع قوات الجيش التي تتولى حماية هذه المقرات لدفع الجيش الى صدام مع الشعب. وعمليات القتل التي راح ضحيتها أعداد من الجيش والشرطة والمتظاهرين. حيث وجهت الاتهامات فورا الى الجيش قبل إجراء أي تحقيق، وأثبتت عمليات التحقيق وتقارير الطب الشرعي أن الرصاص الذي أطلق على الضحايا كان من مسافات قريبة للغاية لا تتجاوز المتر أو نصف المتر (أي من داخل تجمعات المتظاهرين) .

هذه التحركات مفضوحة بحكم الواقع. إذ أن المتظاهرين يعدون بالمئات فقط في حين كانت المظاهرات في الشهور الأولى تتجاوز أعداد المشاركين فيها 15 مليون مصري في طول البلاد وعرضها.

لقد فشلت محاولات تفجير الفتنة الطائفية، وتراجعت الفوضى والبلطجة بعد تشكيل الحكومة الجديدة. لكن التصعيد تم ، فكان التخريب وإحراق المنشآت الحكومية، ومن بينها المجمع العلمي الذي يحوي كنوزا من التراث المصري ووثائق في غاية الأهمية، كما كانت السرقة والنهب لمؤسسات حكومية مجاورة.

من وراء ذلك. ولحساب من؟

تثير الغالبية الساحقة من أجهزة الإعلام خاصة الفضائيات سؤالاً متكرراً حول من يقفون وراء ما يجري. ويستنكرون ويهزؤون ممن يتكلم عن طرف ثالث غير المتظاهرين وقوات الجيش والشرطة ، رغم علم هؤلاء الإعلاميون من هو الطرف الثالث الذي ينفق بسخاء على هذه القنوات ، التي يحصل منها هؤلاء الإعلاميين على مرتبات هائلة (أحدهم يحصل على مرتب يعادل 125 ألف دولار شهريا مقابل برنامج تافه يعتمد على الأكاذيب والتحريض) . الطرف الثالث هو الحلف غير المقدس الصهيو- أمريكي – التركي – الخليجي وعملاؤه المحليون الذين يستهدفون الجيش.

الجيش المصري الذي يتعرض لكل هذا الهجوم تصاحبت نشأته مع نشأة الدولة المصرية كأقدم دولة في التاريخ ، وهو العمود الفقري للدولة, والعنصر الوحيد المتبقي من عناصر القوة للكيان المصري.

تعرض الجيش لضغوط هائلة على مدى أكثر من ثلث قرن لتغيير عقيدته القتالية وهي «أن العدو هو إسرائيل». وكانت آخر المحاولات قبيل الانفجار الثوري، ولكنه رفض وتمسك بعقيدته.

تتوالى ضغوط البلدان الامبريالية وتتصاعد صيحات المسؤولين الأمريكيين والأوربيين الذين يزرفون الدمع على القتلى من المتظاهرين. ويتناسون أنهم أبادوا ما يقرب من 2 مليون عراقي خلال تسع سنوات. وفي إثرهم المستعمرات الخليجية. لكن الولولات في الداخل المصري أكثر كثافة من خلال عشرات الفضائيات الخاصة والحكومية وعشرات الصحف الحكومية والخاصة والحزبية. من أناس ليس لهم أي ماض ثوري، وعلى نفس النهج يسير سياسيون هم بدورهم دون أي ماض ثوري أو معارض بل كانوا يكيلون المديح للسلطة المخلوعة. بل ويشاركهم ذوو الماضي الإرهابي البعيد والقريب.

يحكم كل هؤلاء رغبة جامحة لإلغاء ما تبقى من مرحلة انتقالية هي بكاملها مبتسرة وضئيلة وغير كافية بالمرة لإعداد البلاد لحقبة جديدة. لكنهم يتلهفون لاستلام السلطة دون أن يحمل أحد منهم تصور عن كيفية النهوض. لأنهم يحملون أجندات أجنبية معادية.

الهدف معروف وأدواته معروفة. ومن يقفون وراء ما يحدث معروفون. ولعل التطورات الجارية تضيء الطريق أمام بعض الشباب من حسني النية لأن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة.

الهدف

إن الهدف من وراء هذه الأحداث تخطى إحباط المسيرة الثورية. لقد تجلى الهدف الحقيقي لمن يريد أن يرى ويفهم، وهو تقويض الدولة المصرية عبر تقويض الجيش.

الكيان الوطني يواجه خطرا شديدا.

هل خرجت الملايين وثارت من أجل ذلك؟

ولنا عودة..