لا تنسوا الجولان؟!
مضى أربعة واربعون عاماً ونيف على احتلال الكيان الإسرائيلي للجولان السوري، جرى ذلك إثر الحرب العدوانية عام 1967 وأدت الحرب إلى نكسة عربية عميقة وشاملة.
كان واضحاً أن ذلك العدوان تم بمعرفة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم مرور عشرات السنوات، فإن «إسرائيل» لم تطبق قرارات مجلس الأمن ولم تنسحب لا من «أراض» ولا من «الأراضي» وعلى عكس ذلك قامت بتعميق عدوانها، فأعلنت في 14 كانون الأول من عام 1981 ضم الجولان واعتبرته «أرضاً إسرائيلية»، وكالمعتاد أصدر مجلس الأمن، حبراً على الورق، أسماهقراراً واعتبر أن قرار «إسرائيل» بضم الجولان لاغ وباطل ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي.
مضى أكثر من ثلاثة عقود على ذلك القرار لم يحرك مجلس الأمن ساكناً ولم يلحق بالكيان أي عقاب دبلوماسي أو سياسي أو مادي أو معنوي، واستمرأت إسرائيل الوضع فبنت المستوطنات في الجولان، لم تستجب إلى جهود السلام، وكان نهمها الصهيوني أكثر نفوذاً، ولعل الممارسات الإسرائيلية تتجاوز مواقف مجلس الأمن ووجدت سندها في الوضع العربي.
لقد كرست إسرائيل احتلالها للجولان بذلك القرار الصهيوني الأمريكي الذي صدر بعد اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من مزاولة مهامها الوطنية والقومية، وحدث إثر ذلك الشرخ العربي الظاهري والباطني الذي انتهجته الدول العربية تحت غطاء «السلام» معتمدة موضوعة السادات القائلة إن حرب عام 1973 هي آخر الحروب بين «إسرائيل» والعرب، ولم يكن بمقدور سوريةإنجاز مهمة تحرير الجولان بالاعتماد على نفسها نظراً للخلل الاستراتيجي العسكري الذي كرسته السياسات الأميركية وعمقته بدأب ومثابرة، وقد اسهمت الضغوط والتهديدات المتلاحقة ضد سورية إلى إرباكها وتعميق الخلل، ناهيك عن أن الموضوعة التي سادت هي استحالة إلحاق هزيمة بالجيش الإسرائيلي وذلك على أرضية ممارسة الحروب الكلاسيكية بين الجيوش، وفي تلك الظروفاعتمدت سورية إستراتيجية السلام ولم يصدر شيء يشير إلى اعتماد سورية على بديل للحروب الكلاسيكية وخاصة في سنوات إحراز الانتصار عبر حرب المقاومة اللبنانية على الاحتلال الإسرائيلي والتي انتهت بتحرير الجنوب اللبناني عام 2000، كما أفشلت المقاومة اللبنانية عدوان «إسرائيل» العسكري الضاري الذي شنته الأخيرة في عام 2006. وإذا أردنا المرور على كل العواملفإن مسائل الوضع الداخلي المعاشية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية لم توفر إلا مزيداً من الإرباك والضعف الوطني وصرفت جهوداً حرصاً على الاستمرار في الثوابت الوطنية.
من لديه عقل يتوق للحقيقة لا يمكنه إلا أن يرى أن الوضع الداخلي له دوره في الخيارات، ناهيك عن أن المشكلات الإقليمية عمقت الشروخ العربية، ودفع تطور السلاح نحو مزيد من التعقيدات ومزيد من المصاعب، حتى أن «إسرائيل» تبدي عجزاً واضحاً عن تنفيذ تهديداتها لإيران بسبب برنامجها النووي كما يدعي قادة الكيان.
إن خصوصيات سورية الحقيقية تقول بكل وضوح إنه لا تستقيم الجهود من أجل تحرير الجولان دون وحدة وطنية قوية ومتينة سواء أكان الخيار حرب مقاومة أو حرباً كلاسيكية، وقد كشفت الأحداث أن العلاقات السياسية متأزمة وأنها لا تشكل أساساً للوحدة الوطنية ولم يكن الوهن السياسي إلا عاملاً يصدع الوحدة الوطنية، ولعل الفكر من حقه أن يلحظ أن مصاعب خيار تحرير الجولانعلى قاعدة «ما احتل بالقوة لا يسترد بغير القوة» يجعل المرء غير معتد بما يصدر من بيانات، وعندها من حق المرء أن يتساءل لماذا غاب عن الفكر السياسي موضوعات عديدة كان ينبغي عليه أن يتناول تأثيرها ودورها في مضي عشرات السنوات والجولان مازال محتلاً، أليس من المنطقي أن يدرس الفكر السياسي تأثير الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ، وهل كانت مفاعيلها إيجابية أوسلبية، وهل أثرت في مختلف الميادين وأضعفت العقل السياسي.
وعندما يدور الحديث عن الفساد نجد أنه أكثر بكثير من حزمة من الأوراق المالية ينهبها هذا أو ذاك، ولم يجر في الوطن بحوث جادة تبين تأثير الفساد على القضايا الوطنية وعلى سبل التعاطي معها وعلى الإعداد الاجتماعي وتأثيره على نسق القيم الوطنية والأخلاقية.
تملك سورية أوراقاً هامة ضاغطة من بينها العلاقات المتينة مع المقاومة اللبنانية، كما أن علاقاتها مع إيران متطورة ووطيدة باستمرار وتصاعد، ورغم أهمية ذلك في الممانعة السورية، إلا أن المقاومة اللبنانية لا يمكنها أن تكون بديلاً عن سورية، أنضيف أن المقاومة انتقلت إلى حالة دفاعية، كما أن إيران، رغم تأييدها ودعمها إلا أنها تدرك أن مهمة تحرير الجولان مهمة سورية بامتياز.
لقد وطدت سورية سياسة الممانعة ورفضت الرضوخ للتهديدات والضغوط، وقد أكسبت تلك السياسة سورية خصوصية في الوضع العربي الراهن، إلا أن تحرير الجولان ومتطلباته وعوامل تحقيقه تتعدى مهام سياسة الممانعة التي أخذت تأثيراتها تصيب الفكر الاجتماعي بوصفها قاصرة عن الهدف الذي ينشده الشعب السوري.
إن الوقائع التي عبرت عن استراتيجية السلام أمنت لإسرائيل خرق الجدار السوري، وانتهت مباحثات السلام المباشرة وغير المباشرة، مؤكدة أن «إسرائيل» لم يكن هدفها السلام، إنها أرادت من تلك المباحثات خرق الجدار السوري لأهمية ذلك في حراكها السياسي على الصعيد العربي.
لا يكفي التعامل مع قرار «إسرائيل» بضم الجولان بإصدار بيان من وزارة الخارجية، وقد تكرر ذلك على مدى تلك السنوات، إنها مناسبة للتعبئة الوطنية، وإذا كان وضع الأزمة قد وصل إلى تلك الحالة، فإن تلك الذكرى ينبغي أن تتحول إلى عامل في إنقاذ الوطن وإيقاف النزف اليومي ودماء العشرات وهم كلهم من الشعب السوري.