هل تنجو الدولة المصرية من السقوط؟ (1-2)
إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

هل تنجو الدولة المصرية من السقوط؟ (1-2)

تؤكد الوقائع على الأرض ضرورة النظر إلى الإقليم الممتد من قزوين إلى الأطلسي باعتباره كتلة إستراتيجية واحدة تمثل كل دولة فيه وحدة تتشابك مع باقي الوحدات حتى لو تباعدت جغرافياً أو اختلفت ظروفها في بعض التفاصيل, وبالتالي فإن الضغط على وحدة من وحداته العديدة يؤثر تأثيراً عاصفاً على باقي وحداته.هكذا ينبغي إدراك ما حدث في ليبيا وفي السودان، وراهناً ما يحدث في سورية، وما سبق حدوثه في العراق، والمضمر بالنسبة لإيران... الخ.

بل إنه ليس من قبيل المبالغة القول إن الأمن القومي لمصر ممتد إلى أبعد من حدود الإقليم، أي حتى مضيق ملقا في جنوب شرق آسيا. فما بالنا بمخططات العدو الصهيو– أمريكي، والامبريالي بوجه عام إزاء الإقليم بوحداته العديدة سواء اقتربت من مصر جغرافياً أو ابتعدت.

ذلك أن خطط القوى المعادية لا ترمي إلى الهيمنة على الإقليم وترك وحداته على ما هي عليه بالرغم من عدم منطقية حالة التقسيم التي نعاني منها، إلا أنه يدفع بموجة جديدة ضارية للمزيد من التقسيم والتحطيم، يراها ضامنة لإحكام الهيمنة وديمومتها. ومن هذه النقطة فإن مسعى إسقاط وتحطيم الدولة المصرية يؤثر بشكلعميق ومباشر، ليس على مصر وحدها، ولكن على الإقليم برمته. إضافة إلى أن الهيمنة على الإقليم وإخضاعه يعني انتصاراً حاسماً للقوى الصهيو– امبريالية على المستوى العالمي، وإنقاذ للعدو (ولزمن طويل) من مصير محتوم ينهي عصراً كاملاً، ويصادر على فجر عصر جديد للبشرية بأسرها، ومن هنا تبرز محوريةالقضية باعتبارها صراعاً عابراً للإقليم إلى آفاق عالمية.

مصر الجغرافيا والتاريخ:

في هذا السياق تتأكد أهمية مصر بمكانها في الجغرافيا ومكانتها في التاريخ، والضرورة القصوى لتدمير وإسقاط الدولة المصرية تعد ضماناً لتنفيذ الخطة الصهيو– أمريكية  أساساً، والصهيو– امبريالية بوجه عام.

على مستوى الجغرافيا، فإن الأمر معروف منذ ثلاثة وعشرين قرناً. أي منذ «الإسكندر الأكبر» الذي بدأ مسيرة فتوحاته التوسعية العالمية باحتلال مصر، ورأيه الذي لا يزال صحيحاً بأن مصر هي باب السيطرة على العالم. وهكذا رأى «نابليون بونابرت» الذي بدأ أيضاً بمصر قائداً للحملة الفرنسية عام 1798. إذ كانتأهمية المكان تسبق أهمية نهب الثروات. فالثروات قابلة للنفاذ. أما المكان فانه لا يتزحزح، ومنه يكون الانطلاق وصولاً إلى الثروة وحجبها عن الآخرين، وحتى عن أصحابها.

وعلى مستوى التاريخ، فإن مصر ذات العمق الحضاري السحيق. حيث تكونت الأمة المصرية كأول أمة على الأرض من سبيكة بشرية واحدة، لا تفصل بينها سلاسل الجبال الشاهقة، أو البحار المتلاطمة. وهو ما حقق التجانس والتوحد في ظل «دولة» لها دور أساسي في الشأن الاقتصادي– الاجتماعي (بحسب مستوىالتطور)، فرضه تنظيم الري ورعاية الأرض، قوام هذه الدولة المتماسكة بحدودها المعروفة الآن وعمودها الفقري كان هو «الجيش»، الذي نشأ مصاحباً لنشأة الدولة، لدور استوجبته ظروف وجودها وتطورها، كناظم للسبيكة البشرية للمصريين منذ الماضي السحيق.

هذا ما أكده التطور المصري (رغم الانقطاعات والانكسارات). ليس في الماضي البعيد فحسب، وإنما في التاريخ الحديث والمعاصر منذ تجربة «محمد علي». حيث تكرس قانون خاص للتطور المصري (لا ينفي القوانين العامة لتطور المجتمعات)، مؤدى هذا القانون «دور أساسي للدولة يعتمد على قوة ودور عمودهاالفقري أي الجيش. كلازمة حتمية للتحرر والتقدم والازدهار»، والعكس بالعكس.

جوهر الموقف الامبريالي من مصر:

بناء على ما سبق. فمن الضروري الإمساك بالخيط من أوله لنتمكن من تعرية  ما يضخه الإعلام المصري تشكيكاً  وطمسا لما يطلق عليه «الطرف الثالث» الذي يعمل على تسعير الاضطرابات في مصر. إذ تعمل قوى النظام القديم الرامية إلى استمراره في الإطار الرأسمالي التابع اكتفاء بمجرد تغيير في بعض شخوصالطبقة المتوحشة المهيمنة، إذ تعمل نخبها السياسية وإعلامها بكل تبجح على نفي وجوده.

بناء على تكليف من «ريتشارد بيرل» الذي كان يعمل نائبا لـ«بول وولفويتز» أحد أهم أركان إدارة «بوش الابن»، أعد «معهد راند» تقريراً خلاصته أن ضرب العراق هو مجرد هدف تكتيكي، في حين أن الهدف الأكبر و«الجائزة الكبرى» هي مصر. ويعلم كل مهتم بالسياسة أن وولفويتز، اليهودي الصهيوني، هو منأهم  من صاغوا الإستراتيجية  الأمريكية للشرق الأوسط. كما أنه أحد أهم مهندسي تدمير العراق واحتلاله. وبالرغم من أهمية العراق، ودور هذا الشخص فيما جرى، فإنه اعتبر أن مصر هي «الجائزة الكبرى» لإدراكه والإدارة الأمريكية  لقيمة مصر في الجغرافيا والتاريخ وهو ما يدفعهم للتصميم على تحطيم هذه «النواةالصلبة» ليتمكنوا من إنجاز مشروعهم الصهيو– امبريالي.

الطريق إلى الهدف:

بشكل متزامن يجري العمل لتقويض الدولة المصرية على محاور وجبهات عدة دولية وإقليمية ومحلية، متشابكة ومتداخلة ومتكاملة، بعض أهمها كما يلي:

خنق مصر استراتيجياً:

وهي خطة تنفذ بمنتهى الجدية والسرعة. فقد أقام العدو الصهيوني قاعدتين عسكريتين في الإقليم المنفصل عن السودان والمسمى «دولة جنوب السودان»، أي عند المنابع الجنوبية لنهر النيل، وتتم إقامة قاعدة جوية للكيان الصهيوني غرب ليبيا، حيث تم توقيع الاتفاقية الخاصة بها. وبدوره بدأ حلف الأطلسي إقامة عدةقواعد في ليبيا، ومن المعلوم نفوذ وهيمنة تنظيم القاعدة هناك، ومباركة ومشاركة مشيخات الخليج فيما جرى، إضافة إلى دعم تركيا والإخوان المسلمين علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

بعد أقل من أسبوعين سوف تبدأ مناورة عسكرية  أمريكية– إسرائيلية في البحرين المتوسط والأحمر، تتضمن نقل فرقة عسكرية أمريكية بكامل أسلحتها ومعداتها وعتادها. وتشارك في هذه المناورة بوارج بحرية وغواصات نووية.

لا يقتصر الأمر على الجانب العسكري بإحاطة مصر من الشرق، ومن الغرب، ومن الجنوب بقواعد عسكرية ونظم معادية لمصر. ولكن الأمر يصل للخنق الاقتصادي الذي يتجلى في الضغوط  بعدم تقديم المعونات والقروض التي وعدت بها الولايات المتحدة و «الأشقاء» في مشيخات النفط!

التحالفات الأمريكية في مصر:

حسب السلوك السياسي الأمريكي البراغماتي  (النفعي) تمت عملية صياغة أسس التحالفات الأمريكية مع قوى الداخل المصري، وفق شروط تلبي هذه المنفعة بشكل كامل، وذلك على الوجه التالي:

الحفاظ على سياسات «الاقتصاد الحر» والسوق المفتوحة، والفرص المتاحة للاستثمار الأجنبي وحمايته.

الالتزام بمعاهدة السلام مع العدو الصهيوني.

ضبط التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية دون الإضرار بمصالح رأس المال المحلي والأجنبي بما يفرضه ذلك من بقاء التوازنات الاقتصادية والاجتماعية على حالها.

مباركة دور حلف الأطلسي في الأوضاع الناشئة في الإقليم.

عدم إعاقة الإستراتيجية الأمريكية في تجلياتها الإقليمية والدولية.

وهكذا نرى كيفية تجلي البراغماتية بصدد التحالفات الأمريكية مع قوى الداخل المصري. إذ تجنبت إقامتها على أسس الانتماءات الدينية أو الإيديولوجية، اكتفاء بتلبيتها القصوى للمنفعة الأمريكية أياً كانت القوى المتحالفة.

والجدير بالذكر أن هذه الأسس للتحالفات تجري على خلفية الشروط التي يريد الأمريكيون فرضها بشأن من يشغل موقع رئاسة الجمهورية في مصر، وهو أن لا تكون له علاقة سابقة أو راهنة بالقوات المسلحة المصرية!