الأزمة الأوكرانية وخطط الغرب لتقسيم روسيا
في كتابه «رقعة الشطرنج العظمى» تفاخر سكرتير الامن القومي الأسبق في الولايات المتحدة بريجنسكي بأن «انهيار الاتحاد السوفييتي سيمنع روسيا أن تكون نداً للولايات المتحدة الامريكية خصوصا بعد ابتعاد اوكرايينا عن موسكو، واصرارها على تقليص التواجد العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم»!
يبدو أن السيد بريجنسكي، قد أغرته سياسة يلتسن، وحاشيته الصهيونية، ودفعت به إلى الاعتقاد بأن روسيا دخلت مرحلة الحطام داخلياً، وفقدان الدور على المستوى الدولي، وهنا ظهرت إلى العلن الأهداف المضمرة بتقسيم روسيا، والسيطرة على ثرواتها الهائلة، وقد عبرت عن ذلك صراحةً فيما بعد وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت.
بعد تعثر استراتيجية الكولونيالية الجديدة في الوصول إلى اهدافها الكبرى في افغانستان وباكستان والعراق وسورية ومصر، وكذلك بعد استمرار الأزمة الرأسمالية العالمية، وتحولها إلى مرض عضال منذ 2008، لايزال بين ساسة الغرب الامبريالي الاستعماري الكثير من المغامرين والفاشيين يعتقدون بإمكانية تقسيم روسيا رغم كل ما حققته في السنوات العشر الماضية من تقدم على الأصعدة كافة وبعيداً جداً عن حدودها، فكيف سيكون رد فعلها إذا كان الخطر يتهدد أمنها القومي المباشر سواءً فيما يتعلق بنشر عناصر الدرع الصاروخي في بلدان أوروبا الشرقية، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، أو الدفع بالمجموعات الفاشية الجديدة إلى سدة الحكم في البلدان المجاورة، وخصوصاً اوكرانيا التي يبلغ عدد المواطنين الروس فيها ما يقارب نصف تعداد سكانها! ناهيك عن أن 80 بالمئة من السكان من متحدثي اللغة الروسية.
لا شك أن الازمة في اوكرانيا لها أسبابها الاجتماعية الاقتصادية العميقة. فمنذ أكثر من عشرين عاماً توالى على السلطة فيها، قوى الفساد الكبير من رؤساء ووزراء ونواب، وبالتقاسم الوظيفي مع الفاسدين من خارج جهاز الحكم، كان يجري نهب الدولة والمجتمع معاً، لمصلحة الاحتكارات الرأسمالية العالمية، ونتج عن ذلك كله ارتفاع مستوى البطالة والهجرة، وتراجع مستوى المعيشة بشكل خطير.
إن غياب العدالة الاجتماعية وتسعير الصراعات العرقية، وتطبيق وصفات البنك الدولي حوَّل اوكرانيا من بلد صناعي زراعي متقدم إلى بلد عالمثالثي غارق في الديون، والتوتر الاجتماعي مما سهل على النازيين والفاشيين الجدد والقوميين المتشددين القيام بانقلاب موصوف في كييف، وبرعاية ثلاثة وزراء من دول الاتحاد الاوربي بعد اتفاق 21 شباط، وهذه القوى هي الوريث الروحي لحركات القوميين الاوكرانيين الذين تحالفوا مع هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وارتكبوا الفظائع بحق المقاومين للاحتلال النازي من مختلف الأعراق ضمن اوكرانيا. كما تشير الوقائع أن تلك القوى هي المسؤولة عن مجموعات القناصة التي تطلق النار على قوات الشرطة والمتظاهرين في آنٍ معاً مما أودى بحياة 83 شخصاً يوم 20 شباط.
كانت دول الغرب الاستعمارية ترغب بجر روسيا إلى سلوك مماثل في اوكرانيا لما قام به حلف الناتو من جرائم ضد شعوب البلقان، لكن روسيا وقفت قولا وفعلاً مع حق شعوب القرم في تقرير مصيرهم عبر استفتاء شفاف، لم تعرفه اوروبا من قبل حيث شارك فيه أكثر 82 بالمئة ممن يحق لهم الاقتراع، صوت منهم أكثر من 96 بالمئة لصالح عودة القرم إلى حضن الدولة الروسية.
وكان الرئيس بوتين قد أكد في خطابه أمام البرلمان في يوم 19 أذار: «إن تسليم شبه جزيرة القرم إلى اوكرانيا عام 1954 جاء بمبادرة نيكيتا خروتشوف، وأن تلك العملية كانت مخالفة للأحكام الدستورية إذ كان ذلك بمثابة اتفاق شخصي».
ورداً على تصريحات بريجينسكي الجديدة، التي وصف فيها العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بالمقبلات الضرورية لفتح الشهية للطعام لاحقاً، نقول إن روسيا الآن غير قابلة لأن يبتلعها أحد، بل بدأت الإشراف على رحلة عودة الأراضي الروسية إلى ما كانت عليه.
و السؤال الآن هل يتقبل متخذو القرار في الولايات المتحدة فكرة تفكك الولايات الامريكية تحت ضغوط أزماتها؟ وهل يتقبل قادة الحركة الصهيونية فكرة تخلي واشنطن عن الكيان الصهيوني، في ظل التراجع الامريكي؟ الإجابة تتعلق بمتغيرات ميزان القوى الدولي، الذي تجري رياحه بما لا تشتهي سفن التحالف الامبريالي الصهيوني.