لبنان: حكومة تنازلات متبادلة آنياً!
لم يخرج تشكيل الحكومة اللبنانية عن إطار التموضعات الجديدة على الساحة الإقليمية وتحديداً فيما يخص الملفات التي تمس الوضع اللبناني بشكل مباشر كملف الأزمة السورية والعلاقات السعودية الإيرانية
تنازلات متبادلة
يبدو تشكيل الحكومة بعد أحد عشر شهراً، من حيث الشكل، متوازناً، مع أفضلية نسبية لمصلحة فريق 14 آذار. لكن تلك الأفضلية لم تعكر صفو التشكيل الحكومي ما يوحي بحقيقة التوازن الذي يبدو أنه ليس توازناً آنياً، بل توازنٌ بانتظار القادم من استحقاقات بدأت تتبلور ولم تظهر بعد. هذا ما عكسه تيار المستقبل بقبوله المشاركة في حكومة تضم وزراء لحزب الله، وهو ما رفضه رفضاً قاطعاً على طول فترة الاستعصاء الحكومي باستخدامه لورقة سلاح المقاومة كسلاح خارج إطار الدولة اللبنانية. كما أن التنازل عن وزارة المال التي حافظ عليها تيار المستقبل لأكثر من عشرين عاماً، هو شيء لافت.
يبدو أن هذه التنازلات التي تأتي في إطار التحصيل الداخلي لما خسرته قوى «14آذار» من وزن سياسي في الحكومة السابقة من جهة، وخسارة الحلفاء الإقليميين معاركهم على مستوى الإقليم من جهة أخرى وخاصة السعوديين. بينما تأتي تنازلات فريق «8 آذار» في إطار أولوية زج جميع الفرقاء اللبنانيين في معركة الحفاظ على الأمن التي بدأت تهدد البلاد بانفجارات يصعب التنبؤ بمآلاتها. هذه التنازلات المتبادلة بين الطرفين عكست لحظياً موازين القوى الإقليمية التي مازالت قيد الصياغة والتي بتثبيتها من الممكن التأثير على شكل التركيبة السياسية مجدداً بشكل يوافق شكل التغيرات الإقليمية التي تبدو في تسارع مستمر.
من المنتصر!
بالتدقيق في توزيع الوزارات وخصوصاً ذات الحقائب السيادية يبدو الانتصار لقوى 14 آذار شكلياً بعد حصوله على وزارتي الداخلية والعدل ووضع شخصيات غير محببة من قبل الفريق الآخر أولهما اللواء أشرف ريفي لوزارة العدل ونهاد المشنوق لوزارة الداخلية. لكن هذا التقسيم يضع فريق «14 آذار» في مواجهة مباشرة مع حالات العنف التي تشهدها طرابلس من جهة وملاحقة المتطرفين بعد تفجيرات الضاحية المتتالية من جهة أخرى، بينما حصل فريق «8 آذار» على ثلاث حقائب سيادية هي الأكثر أهمية خصوصاً في ظل التغيرات الدولية والإقليمية الجارية، هي وزارات الخارجية والطاقة والمال. فمخرجات الحكومة اللبنانية وسير عملها كان يتطلب على الدوام التكامل مع وزارة المال، أما وزارة الطاقة فأهميتها المرحلية هي في ضبط سير عملية تحديد عقود التنقيب عن النفط بما يحفظ حق اللبنانيين في ثرواتهم إن صدق الموقعون. وتبقى لوزارة الخارجية الأهمية المستمدة من تمثيل لبنان في المحافل الدولية وفيما يخص قضايا المنطقة المشتعلة خصوصاً الحدث السوري. بينما استحوذ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على وزارة الدفاع التي لا يبدو أنها ستبقى كذلك مع قرب الاستحقاق الرئاسي.
تجدر الإشارة إلى أن البيان الحكومي سيكون مقتضباً ولن يبحث طويلاً في قضايا إدارة الدولة على المدى البعيد، بل سيقتصر على مراجعة سريعة لمتطلبات المرحلة والتي على رأسها قضية وقف العنف على محاور طرابلس ومكافحة الإرهاب التكفيري الذي بدأ يتمدد بشكل ملحوظ على الساحة اللبنانية استباقاً لقرار دولي بمكافحة الإرهاب في المنطقة ربما سيتخذ في الآجال القريبة مع التقدم المرتقب في حل ملفي النووي الإيراني والأزمة السورية.