المشهد المصري بين ردود الإخوان.. والعملية السياسية المرتقبة
في المشهد المصري اليوم مساران متوازيان، الأول هو الاستمرار بالعملية السياسية التي أطلقتها ثورة 30 يونيو، متمثلة بعملية التصويت على الدستور الجديد وماسيتبعها لاحقاً من انتخابات برلمانية ورئاسية. والثاني هو مشهد العنف المستمر بين الإخوان المسلمين من جهة والجيش وجزء واسع من المجتمع المصري، في الجهة المقابلة.
تستمر محاكمة الرئيس السابق محمد مرسي، وبين تأجيل وآخر يزداد عنف كوادر حركة الإخوان المسلمين. تطالهم الاعتقالات، بعد قيامهم بأعمال الشغب بالجامعات وأمام محكمة مرسي. يرد الإخوان بعمليات عسكرية هنا وهناك من القاهرة وصولاً إلى سيناء. يتقدم حزب الحرية والعدالة برفع دعوى لمحكمة الجنايات الدولية يشتكي فيها الجيش المصري للمحكمة سيئة الصيت.
مناورة أم انحياز للفاشية؟
يعيش الإخوان حتى اللحظة في حالة من عدم التوازن والإنكار. لا يصدق أحد أن محاولات الإخوان هذه ستثني الدولة المصرية عن قرارها بإعلان الإخوان حركة إرهابية. ولذلك تكون ردود أفعال الحركة بين اتجاهين، فإما أن يكون هذا السلوك محاولات ضغط على العسكر لأجل إعادة التفاوض مع الإخوان على شروط أفضل، وإن لم ترتق لمستوى إعادة مرسي رئيساً، أو أن الحركة قد انحازت نهائياً إلى مشروع الفاشية الجديدة وإحراق مصر داخلياً. وإن كان تاريخ سلوك الحركة في مصر عرف النموذجين، السلوك الفاشي والضغط العسكري لأجل التفاوض، إلا أنها اليوم وبعد سقوطها السريع وبناءً على تراجع الولايات المتحدة كعراب رئيسي لها، باتت أقرب إلى الانغماس كلياً بالمشروع الفاشي، خاصة بعد زيادة الاتجاه المخالف للهوى الأمريكي في الإدارة الحالية للدولة المصرية. وعند هذا الحد ينتهي مشروع الإخوان كدولة ليعود دورهم كأداة في التفتيت والإحراق وتنفيذ المخطط الفاشي المدعوم من أطراف محددة في الإدارة الأمريكية.
مصر والسيسي إلى أين؟!
تتقدم العملية السياسية بمقابل كل هذا التصعيد. التصويت على الدستور المصري بدأ في الخارج، وبعد أيام قليلة سيبدأ داخل البلاد. ربما ستكون معركة التصويت على الدستور هي أسهل المعارك بالنسبة للقوى الوطنية في الجيش المصري التي أدارت الحكم منذ ثورة 30 يونيو، لكن المعركة الكبرى ستكون هي انتخابات الرئاسة. إن معركة انتخابات الرئاسة في مصر هذه المرة لن تكون صراعاً داخلياً كما صوره البعض سابقاً، شكله المعلن الصراع بين الفلول والقوى السياسية الأخرى، ولا بين المدنيين والعسكر كما يروج بعض الإعلام اليوم، بل بين التوجه الاستراتيجي لمصر بالخروج من العباءة الأمريكية أو العودة والنكوص تجاه تيارات سياسية لا تخدم سوى الهيمنة الأمريكية والتي ستدفع مصر إلى الفوضى، وإن هذه الخيارات اليوم إجبارية ولها الإمكانية ذاتها موضوعياً.
يرجح البعض إلى درجة الحسم أن وزير الدفاع الحالي عبد الفتاح السيسي هو أحد المرشحين للرئاسة، وفيما لو تم ذلك فسيكون من البديهي فوزه، فقد لعب الجيش دوراً حاسماً في حماية الثورة المصرية، وصار للسيسي بريق ورمزية يقارنها البعض بالراحل الكبير جمال عبد الناصر. لكن السيسي، وفيما لو تم ذلك، سيكون أمام استحقاقين تاريخيين سيحسمان دروه في دفع مصر تجاه ضروراتها. فدفع مصر بعيداً عن الهيمنة وبعيداً عن الفوضى يقتضي عملياً إنجازات ثورية على صعيد الاستحقاق الأول أي الوضع الاقتصادي المصري الذي يتطلب حلاُ ثورياً يؤمن العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي، والاستحقاق الثاني هو حسم موقف مصر من اتفاقية «كامب ديفيد».
وبين المسارين لا يسع المصريين كشعب إلا الاستمرار بحراكهم الثوري لأجل التغيير الجذري بكل أدواته بعيداً عن الفوضى متمثلين روحهم الثورية التي أنجزت صفحتين ناصعتين حتى اللحظة وهي متسمرة إلى منتهاها.