حول «الأوراسية» والرعب الأمريكي
«أفضل روسيا، بالنسبة للأمريكيين، هي روسيا غير الموجودة، روسيا المحطمة التي يستغلّها جيرانها». بهذا الكلام الواضح والمباشر، يعبّر «بريجنسكي»، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى» عن نظرة قادة «النظام العالمي الجديد» في الولايات المتحدة تجاه روسيا
في الكتاب ذاته، يركّز «بريجنسكي» على مفهوم «الأوراسية»، يحذّر منه، ويعلن أن «الأوراسية» هي جوهر التحدي السياسي الاقتصادي للسيادة الأمريكية الليبرالية على العالم، ذلك أن قوة «الأوراسية» تفوق، بشكلٍ كاسح، القوة الأمريكية.
التعريف الجغرافي والمادي لـ «الأوراسية»
«أوراسيا» هي جغرافيا قارتي أوربا وآسيا المتداخلتين ببعض بشكل كبير، وهي الممتدة من حدود أوربا الغربية، على المحيط الأطلسي، حتى سواحل روسيا والصين، على المحيط الهادئ في الشرق، بما فيها الشرق الأوسط والجزيرة العربية. في «أوراسيا» ثلاثة أرباع مصادر الطاقة في العالم، وهي أكبر قارات العالم، وفيها ست دولٍ من كبرى الدول الاقتصادية العسكرية، أكبر دولتين سكانياً، الهند والصين، والدولة الأكبر مساحة وهي روسيا، 17.1 مليون م2.
ويعتبر العديد من المحللين منطقة «الوحدة الأوراسية»، المرعبة للأمريكيين، منطقة ارتطام القوى الدولية الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية للسيطرة على العالم سياسياً واقتصادياً.
الوحدة (الأوراسية) في الواقع والتطبيق
عام 1994، أعلن الرئيس الكازاخستاني، «نزار باييف»، بدء مشروع اتحاد دول أوراسي، وفق مبادئ أربعة: (1) المنفعة الاقتصادية (2) التكامل متعدد الجوانب (3) توحيد المنظمات السابقة لإقامة الاتحاد (4) توحيد البلدان تبعاً لجهوزية كل بلد.
ومنذ حينه، باتت فكرة الاتحاد الأوراسي تنمو في المجتمع الروسي ومجتمعات دول آسيا الوسطى. يرى البعض أن تلك الدول تريد الاستقواء بدولة روسيا القوية ضد الهيمنة الأمريكية، لكن الاستقواء هو ليس سياسياً فحسب، وإنما اقتصادي بشكل أساسي، فالاتحاد الأوراسي إن تحقق سيكون فيه ثلاثة ملايين نهر يبلغ طولها عشرة ملايين كلم، تعطي أكثر من 3 آلاف مليار متر مكعب من المياه سنوياً، ما يفسح المجال واسعاً أمام الزراعة وتأمين الغذاء وكسر احتكار الولايات المتحدة الأمريكية للقمح في العالم.
وتغذي روسيا أوروبا الغربية بثلث احتياجاتها من النفط، ومن الطبيعي أن يصبح الاتحاد قوة اقتصادية عظمى مع توفر الإمكانات النفطية الكبرى لدول مثل كازاخستان والعراق.
الوحدة الأوراسية..وسفينة الغرق الأمريكية
الاتحاد الأوراسي لم يتحقق بعد، لكن مقدماته واضحة وقويّة: الاتحاد الجمركي الذي يضم الآن روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، الاتحاد بين روسيا وبيلاروسيا، «منظمة شنغهاي» التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجاكستان، وسريلانكا وبيلاروسيا كشركاء في الحوار، و«منظمة شنغهاي» تعبير قوي، ليس فقط عن الأفق الأوراسي الصاعد، ولكن أيضاً تعبير عن إعادة ترتيب القوى الدولية.
واليوم، تزداد أهمية الوحدة الأوراسية، بمختلف أشكال ظهورها، مع حملة الاختراق الشديدة التي تشنّها الولايات المتحدة ضد مصالح روسيا، وعلى حدودها، من خلال أحداث أوكرانيا مؤخراً، وقبلها الشيشان وجورجيا ويوغسلافيا، وهذه الحملة هي موجّهة حقيقة ضد مجمل الدول الأوراسية لأن «مركب النجاة الوحيد من سفينة الغرق الأمريكية هي روسيا الأوراسية» وفق تعبير الرئيس الكازاخستاني، «نزار باييف»..!