تفكك محور «الاعتدال».. وانتقال الصراع الدولي إلى أقاصي آسيا
يبدو اتفاق جنيف حول النووي الإيراني أول المعالم الملموسة لتقدم قوى السلم العالمي، على حساب تلك القوى التي استفادت، تاريخياً، من الحروب والصراعات الدولية لإنعاش بقائها، والمتمثلة بالمراكز الإمبريالية الغربية.
بناء على هذا التقدم، تتغير خرائط التوافقات والنزاعات الدولية، ولكن ما يمكن الحديث عنه اليوم هو نموذج جديد لحل أعقد الصراعات الدولية، أي الحلول السلمية.
قوة النموذج السلمي
فالنموذج «النووي الإيراني»،كحلٍّ سلمي لأزمة سياسية، يقطع الطريق على كثير من قوى الحرب، وتحديداً تلك القوى المرتبطة بالصهيونية العالمية، والتي غذَّت حروباً طويلة لمصلحة خروج الرأسمالية من أزماتها، وهو مايفسر جنون الكيان الصهيوني عشية ومابعد الاتفاق. فالنصر الإيراني لايعني فقط وجود طاقة نووية إيرانية تجعل من إيران قوة إنتاجية ضخمة في الشرق معادية لـ«إسرائيل»، بل يعني أيضاً عدم إمكانية شن الحروب بداعي التوسع الإمبريالي، ومن زاويةٍ أخرى، يعني أيضاً تفرُّغ قوى السلم العالمي للسلاح النووي «الإسرائيلي» مستندين إلى نموذج الحل الإيراني..
«معتدلو» المنطقة
يترسخ دور قوى السلم، ونفوذها في منطقة «الشرق الأوسط»، مع تراجع الدور الأمريكي، وقد جاءت الترتيبات الجديدة في المنطقة في هذا السياق، فمع تصاعد العلاقات المصرية الروسية، وزيارة «أردوغان» إلى روسيا، واتصال «بوتين» بالسعودية، وزيارة «نتنياهو» إلى موسكو، التي فشلت في ثني موسكو عن مواقفها حيال إيران، جرت تغيرات هامة لتفكيك منظومة الدول، التي أطلقت عليها الإدارة الأمريكية اسم محور «الاعتدال».
فالعلاقات المصرية- التركية آخذة بالتوتر مع تخفيف التمثيل الدبلوماسي مابين البلدين، وتتزايد التشققات الداخلية عند حلفاء أردوغان، وقواعده الانتخابية الشعبية، كما أن النفوذ الروسي- الإيراني يترسخ أكثر في الخليج، ومن البوابة الإماراتية هذه المرة، بينما يترنح السعودي و«الإسرائيلي» أمام تقدم جنيف السوري والإيراني، فوفقاً لمعهد «ستراتفور» الاستخباري: إن السعودية ستكون الخاسر الأكبر «وستتأثر سلباً أكثر من إسرائيل» من الاتفاق النووي. كما يمضي الأردن إلى المجهول، ضحية التعنت السعودي، وخطط «بندر بن سلطان» المتوالية الفشل.
عملاقا آسيا في المواجهة
يشير تقدم قوى السلم في منطقة «الشرق الأوسط»، التي كانت محور الصراع الدولي الرئيسي خلال قرن من الزمن، بالإضافة إلى تغيرات أخرى في العالم، إلى قضية استراتيجية، وهي تغير المحاور الرئيسية في الصراع الدولي، فبينما كانت منطقتنا «الشرق الأوسط» منطقة اشتباك دولية رئيسية، تتجه الأنظار اليوم إلى أقاصي آسيا، وتحديداً إلى البقعة الممتدة في أقاصي جنوب شرقي آسيا، عند بحر الصين الشرقي، ورغم التوتر التاريخي الذي يشهده الصراع الكوري، إلا أن المنطقة لم تشهد صراعات دامية كبيرة بعد الحرب الأمريكية على فيتنام، في ستينيات القرن الماضي.
كتجلٍ لإنتقال محور الصراع الدولي الرئيسي إلى أقاصي آسيا، يعود التوتر إلى تلك المنطقة، وهذه المرة بين عملاقيها، الصين واليابان، وبأذرع أمريكية مباشرة، فالساعات الأخيرة سجلت عدة إشارات للتوتر، فمع إعلان وزارة الدفاع الصينية عن إنشاء منطقة دفاع جوي فوق بحر الصين الشرقي، ينبغي على الطائرات التي تعبرها أن تتبعها، وإلا سيؤدي الأمر إلى تدخل القوات المسلحة، سارعت اليابان والولايات المتحدة لانتقاد الخطوة، وقامت اليابان على الفور بإنشاء مجلس للأمن الوطني «لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية» وفقاً لوكالات الأنباء. واتُبع هذا الإجراء بتصعيد أمريكي، فقد أعلن البنتاغون أن اثنتين من الطائرات الحربية الأمريكية قامتا بتحليق في المنطقة، التي أعلنتها الصين «منطقة دفاع جوي»، وردت الصين أنهما خضعتا لمراقبة رادراتها خلال كامل فترة التحليق، ولاحقاً أرسلت «بكين» طائرات حربية إلى منطقة «الحظر الجوي».
تبقى كل الاحتمالات مفتوحة حول الصراع الدولي، فرغم التحول النوعي، الذي تجلى بتقدم قوى السلم العالمي، إلا أن قوى «رأس المال»، التي ما زالت مأزومة، تراهن حتى اللحظة على الحروب، كوسيلة للخروج من أزمتها العميقة الشاملة.