موسكو والقاهرة.. تقدم استراتيجي متزن
يستمر الحديث الإعلامي في بعض وسائل الإعلام بالتركيز على إمكانية تقارب مصري ــ روسي خلال الفترة القادمة. ورغم ذلك، وحتى اللحظة، لم نجد سوى الزيارة الشعبية التي ترأسها نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق، يحيى الجمل، لنقل رسالة الصداقة إلى روسيا.
لكن من الواضح أن الظروف تتحضر أكثر فأكثر لتقارب مصري ــ روسي واسع خلال الأشهر القادمة، فوضع الروس الجيوسياسي، وموقعهم في الأزمات الدولية، آخذٌ بالتقدم، وإن كانت الأزمة السورية المفتاح الأبرز لذلك، إلا أن التعاطي الروسي مع الحدث المصري، منذ 25 يناير وحتى مابعد 30 يوليو، تميز بالاتزان والحصافة والدقة، ودونما أي تغييرات كبرى علنية على صعيد الإجراءات السياسية العلنية على الأقل.
اقتراب عبر القضايا الإقليمية
نضجت الظروف تدريجياً، فموقف الروس من ثورة 30 يونيو كان متمايزاً عن الموقف الأمريكي، فهو منحاز باتزان للمشهد الشعبي الجارف الذي شهدته ميادين مصر. ثم جاءت المواقف المصرية المتتالية من الأزمة في سورية، والتي عبرت عنها القيادات المصرية العسكرية بمواقف إيجابية من الحل السياسي، واستبعادها لخيار الحل العسكري الذي تبناه إخوان مصر.
لاحقاً، لوَّحت العديد من الأوساط المقربة من العسكريين في مصر، وبعد قطع المعونة الأمريكية، إلى ضرورة إيجاد بدائل، وتحدثوا عن أن الروس قوة دولية قادرة على تلبية ذلك. وفي هذا السياق نقل تلفزيون «روسيا اليوم» عن محمد العرابي، وزير الخارجية المصري، قوله:
«إن هناك رغبة مصرية صادقة، نابعة من إرادة شعبية، للبدء في فتح آفاقٍ جديدة من العلاقات بين البلدين، بناءً على الخلفية التاريخية التي ربطت بين مصر والإتحاد السوفيتي السابق، والتعاون التاريخي. ومثال ذلك حرب أكتوبر وبناء السد العالي وغيرها من المشاريع الأخرى».
ضربة روسية للأدوات الأمريكية
يبدي الروس اهتماماً متصاعداً بمصر، وإن حرصوا حتى اللحظة على تغيير هادئ لموازين القوى الإقليمية على الأرض، فتوجُّه مصر قد يحسم المعركة الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس على صعيد «الشرق الأوسط» فحسب، بل على صعيد قاري وعالمي، ولذلك قطع الروس نهائياً مع الإخوان، كنموذج حكم، سواءً لارتباطه بالمركز الأمريكي والغربي، أو حتى لما يمثله هذا النموذج من حكم فاشي.
وفي هذا السياق حذَّر «ميخيائيل مارغيلوف»، رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الاتحاد الروسي، من «صوملة» الوضع في المنطقة، وتحديداً في مصر وتونس، حيث الأوضاع غير مستقرة، على حد وصفه، مشيراً إلى: «أن المصريين رفضوا الحكم الديني في بلادهم، وأيدوا الجيش الذي سيطر على الحكم. وأن الإسلاميين في مصر عملوا على أسلمة الدولة تدريجياً، ولم يتوقفوا أمام التحالف مع مقاتلي تنظيم «القاعدة»، وأن الاستنتاج الأساسي من الأحداث الأخيرة في مصر وتونس هو أن الحكم الديني لا يمثل النهاية الحتمية للثورات في المنطقة» .
في هذه الأثناء يحاول الأمريكي لملمة ما يمكن. فبعد خسارة الإخوان وتصاعد التوتر مع عسكر مصر، كان لا بد من مراجعة سريعة للأداء الأمريكي على الساحة المصري، فجاءت زيارة «جون كيري»، وزير الخارجية الأمريكي، للقاهرة منذ أيام في هذا السياق، ورغم إعلان الطرفين أن العلاقات «حيوية ومستمرة»، إلا أن كيري اضطر إلى الإعلان عن حسن النوايا إزاء الإدارة المصرية، فعبَّر عن تأييده لإرادة الشعب المصري، خاصة بعد وصف وزير الخارجية المصرية بأن العلاقات مضطربة مع الولايات المتحدة قبل ساعات من زيارة كيري إلى مصر، وهو مايؤكد أن التكتيكات الأمريكية الجديدة ليست إلا تكيفاً مرغماً مع التغيرات الاستراتيجية الهامة في المنطقة.