الدولار ضحية اقتصاد «الفودو»*
ترجمة : ياسمين نور الدين ترجمة : ياسمين نور الدين

الدولار ضحية اقتصاد «الفودو»*

يسألني القرّاء عمّا إذا كان «بول كروغمان»** محقَّاً بادِّعائه أن عجز الخزينة هو شيء غير مهم، وأن طباعة كمياتٍ غير محدودة من النقود ــ التي يتمُّ بواسطتها شراء أدوات دين الخزينة، لتمويل العجز الحكومي ــ هي عملية غير مفيدة.

إذا كان الناس في الداخل أو في الخارج من مقتني الدولار، المهيمن على الأدوات المالية، لا يكترثون بشأن تريليونات الدولارات الجديدة، التي تتمّ طباعتها بهدف تغطية الفجوة الشاسعة بين النفقات والإيرادات في ميزانية واشنطن السنوية، وبهدف دعم «المصارف الأكبر من أن تفلس». إذا كان مقتنو الدولار هؤلاء لا يرون قيمة دولاراتهم وهي تذوب عبر الدولار الجديد، الذي يظهر بكمّيات أكبر من البضائع والخدمات الجديدة، عندئذٍ يكون «كروغمان» محقاً.
إمكانية عدم الاكتراث تلك لدى «كروغمان»، هي مشكلة بحد ذاتها، لمخالفتها العرض والطلب. إذ يعتقد الاقتصاديون، ومن ضمنهم «كروغمان»، أنّه إذا ما ارتفع العرض بوتيرةٍ أسرع من الطلب، فإنَّ الأسعار ستنخفض. لذا، تأتي الخلاصة بأنّ فائضاً من عرض الدولارات سيتسبَّب حتماً بهبوط قيمة الدولار. هذا الهبوط يمكن أن يحدث عبر طريقة من الطريقتين:
التضخم وإضعاف القيمة الشرائية
الأولى، والمتعارف عليها بين أغلب الناس، هي التضخم النقدي، حيث تطارد كميةٌ كبيرة من الدولارات كميةً قليلة من السلع مرتفعة الأسعار، فتضعف القيمة الشرائية للعملة. غير أنّه، في الحالة الحاضرة، يوجد فائض الدولارات في المصارف، وبما أنّ المصارف لا تقوم بالإقراض، فإنّ هذا الفائض لا يدخل في عرض الأموال ولا يؤثر على الأسعار. هذا.
وتحتفظ المصارف باحتياطي ضخم من أجل ملاقاة الطلب، الذي قد تولّده الديون الثانوية غير المغطّاة، بالإضافة لاستعمالها بعض الأموال ــ التي يوفّرها لها الاحتياطي الفدرالي ــ للمضاربة في البورصة على العملات في المستقبل، وبالتالي دفع أسعار الأسهم لمستويات غير واقعية.
إسقاط «الفرادة» عن الدولار
أمّا الطريقة الأخرى، التي من خلالها قد يفقد الدولار قيمته، فهي عبر سعر صرفه مقابل العملات الأخرى: عندما يشاهد المتعاملون بالدولار من الأجانب كيف يُخلَق الدولار، وعلى مر السنوات، من أجل تمويل ديون الميزانية الفدرالية، ومن دون نهاية منظورة، سيدركون أنّ ما يقتنوه من الدولار يتمّ تذويبه. ومن غير المستبعد حينها، أن يقرّر هؤلاء التخلّص من تلك العملة التي بحوزتهم، أو على أقل تقدير، تقليص تعاملهم بها. وهكذا، وعند بيع الدولار في سوق صرف العملات، فإنّ قيمته مقابل العملات الأخرى ستنخفض.
وبما أنّ أميركا اليوم تعتمد على الاستيراد، سترتفع الأسعار، كنتيجة لتحرير الدولار في سوق العملات. وسيظهر التضخم المحلّي على رأس انهيار القيمة التبادلية للدولار، الأمر الذي من شأنه أن يتسبَّب بموجة تهوّر أو تسرّع من مقتني الدولار للتخلّص منه. بعبارة أخرى، ما إن يبدأ الأمر حتى نغرق في دوّامة منحدرة.. لكن على ما يبدو، يرى «كروغمان» في الدولار الفرادة والروعة، مثلما هي أميركا، بحيث أنّ قيمته لا يمكن لها أن تتدهور كنتيجة لسوء الاستعمال.

عن موقع «غلوبال ريسيرتش» بتصرف
* اقتصادي أمريكي ليبرالي. حائز على جائزة «نوبل» بالاقتصاد، وينشر بشكلٍ دوري في صحيفة «نيويورك تايمز».
** اقتصاد «الفودو»: هو المبادئ الاقتصادية المعتمدة في جوهرها على رأس المال الوهمي.
تنويه من المحرر: يدخل هذا المقال في خانة الصراع غير الأساسي بين الحزبين الأمريكيين، الجمهوري والديمقراطي. إذ لا يعكس هذا الصراع اختلافاً حقيقياً من حيث الجوهر (البرنامج الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي) بينهما.