إرهاصات عملية التحول الحقيقي في مصر
تشهد مصر في الفترة الحالية من بعد الموجة الثانية من الحراك الشعبي وعزل الإخوان المسلمين من السلطة مرحلة انتقالية حقيقية تعكس الوضع الداخلي والعالمي الجديد، وتبدو صعبة السير بسبب العراقيل التي تضعها القوى التي تنتمي للفضاء السياسي الدولي القديم أيام القطب الأوحد المتهاوي تدريجياً.
تعكس المرحلة الانتقالية موازين القوى العالمية بحيث تعيد الدول المنتفضة، بسبب عدة عوامل قد يكون أهمها التحول في موازين القوى العالمية، توزيع علاقاتها الخارجية وفقاً لمنطق المصالح الاقتصادية وجذب المواقف السياسية التي تعطي بالنهاية ريعاً وتبادلاً اقتصادياً أقل مظلمة وأكثر عدالة من التبادل مع القوى العالمية المهيمنة سابقاً، مما يتيح لهذه الدول تحقيق تنمية تسمح باستقرار الوضع المتوتر كبديل عن نماذجها الاقتصادية العاجزة عن تحقيق مصالح الناس.
بداية التحول
لا يمكن تسمية المرحلة التي حكم بها الإخوان بالمرحلة الانتقالية لأنها لم تنعطف ولا بأي شكل عن سياسات حقبة «السادات-مبارك«، بينما يمكن تسمية التحول الجاري الآن بمصر بأنه مرحلة انتقالية بحكم أنه بدأ بالانعطاف تدريجياً وبشكل متصاعد عن الحقب السابقة، والمعالم الأولية لهذا الانعطاف بدأت بالوضوح بشكل تصريحات ومواقف وسلوك الإدارة المصرية الجديدة التي بدأت بالقطع تدريجياً مع دول وتكتلات سابقة، وفتح آفاق جديدة مع دول أخرى. يمكن ملاحظة هذا الانعطاف بتدهور العلاقة مع تركيا وتقدمها الملحوظ مع روسيا بحيث أن الأولى تمثل مصالح الغرب وإرادته بمصر والثانية تمثل مصلحة الشعب المصري وأمنه القومي.
تراجع العلاقات والتوتر مع تركيا
بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا قبل حكم الإخوان المسلمين 3.1 مليارات دولار ليحقق ارتفاعاً مفاجئاً خلال سنة ليصل إلى 5 مليارات دولار وسط فتح أسواق مصر للبضائع التركية من خلال مشروع الملاحة البحرية المشترك بين مصر وتركيا والسعودية الذي أمن لتركيا خط نقل آمن بعد سوء الأوضاع في سورية، ليكتظ السوق المصري بالبضائع التركية وخاصة الحديد التركي الذي سبب إفلاس عديد من الشركات المصرية، ما أدى إلى ضرر كبير للمنتجين المصريين، ما دفع الإدارة المصرية الجديدة لإعادة تقيمم العلاقات مع تركيا وخاصة بعد التصريحات التركية التي اتهمت القيادة الجديدة بأنها انقلابية وغير شرعية لتسحب السلطات المصرية سفيرها من تركيا. وفي هذا السياق أكد السفير المصري لدى تركيا عبد الرحمن صلاح، أن العلاقات المصرية التركية تمر بعد ثورة 30 يونيو بمرحلة إعادة تقييم خلال الفترة الحالية، مضيفاً، أن الموقف التركي من ثورة 30 يونيو يخالف موقفها من ثورة 25 يناير. بالمقابل بدت التوجهات الدولية للإدارة السياسية الجديدة واضحة من خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري لروسيا.
التوجه شرقاً من الباب الروسي
التقارب الشديد بالمواقف بين وزيري خارجية البلدين حول قضايا المنطقة والقضية السورية بالخاص يعكس مصلحة مشتركة بين الدولتين بعدم حصول تدخل أمريكي مباشرعلى سورية قد يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لكل من الدولتين، ما دفع القيادة المصرية للابتعاد عن أمريكا والاقتراب أكثر من روسيا حفاظاً على الأمن القومي المصري، الأمر الذي قد يدفع الجانب المصري إلى توجه استراتيجي نحو الشرق لبناء علاقات دولية جديدة أكثر عدالة وتوافقاً مع المصالح المصرية. فهدف الغرب تفتيت المنطقة للخروج من أزمته وبالتالي إضعافها، أما روسيا فترغب بشرق أوسط قوي يكون خط دفاع ضد مشروع «أمركة« العالم وهو ما يتقاطع مع مصلحة شعوب المنطقة.