مفاوضات أم تنازلات؟
أثمرت جولات جون كيري الست عن جلب الطرفين، حكومة الغزو والاحتلال الصهيونية وسلطة الحكم الذاتي المحدود، في نهاية تموز المنصرم للقاء في واشنطن حول طاولة محادثات ذات طابع استكشافي، كخطوة أولية/ضرورية للوصول إلى ما يطلقون عليه تضليلاً تسمية «المفاوضات».
اجتمع الطرفان بإشراف ومتابعة أمريكية منحازة بشكل معلن لحكومة العدو،عبرت عنه بتعيين «مارتن إنديك» الديبلوماسي الأمريكي/اليهودي/الصهيوني، السفير الأمريكي السابق لدى الكيان وأحد قادة منظمة إيباك.
ومع اختتام الطرفين لاجتماعهما مساء الأربعاء 14 الشهر الجاري في القدس المحتلة بعيداً عن وسائل الإعلام والتزاماً بخطة كيري لـ«الغموض البناء» تكون العملية «التفاوضية» قد انطلقت في ظل أكثر من علامة استفهام.
فمنذ توقف لقاءات الجانبين في أيلول عام 2010، شهدت قضية الصراع العربي/الصهيوني -الفلسطينيون في مركزه- بانعكاساتها المحلية والإقليمية والدولية تطورات عديدة فرضت على الأطراف الرئيسية فيه توجهات جديدة. فتداعيات المرحلة التي تمر بها الأطراف الدولية، خاصة، ماتتعرض له القوى الإمبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، من أزمات سياسية واقتصادية، أدت لتراخي وانفلاش قبضتها -نفوذ وهيمنة القطب الأوحد- منذ عدة سنوات نتيجة تحولات دولية/إقليمية حاسمة في أكثر من قارة وإقليم. فكان اندفاع الإدارة الأمريكية لتحقيق «إنجاز!» بالمنطقة يعوض عن خساراتها المتلاحقة نتيجة عدم استطاعة المحور الذي تدعمه من تحقيق «انتصارات» في أكثر من إقليم وساحة صراع. بل إن حالة النشوة التي أصابت تلك الإدارة من وصول بعض حلفائها لسدة الحكم في أكثر من عاصمة، بدأت بالانحسار بعد تحركات الملايين لإسقاط حكومات التفرد والتسلط التي يديرها «مكتب الإرشاد».
مع عودة حكومة نتنياهو للمفاوضات تكون قد أعادت العمل بنهج صهيوني متأصل منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد عام 1991 من أجل الدخول في مفاوضات تستمر عدة عقود، من أجل كسب الوقت والاستفادة منه، وهو مايتحقق للآن. لهذا استجابت حكومة أحزاب/عصابات «المستعمرين/المستوطنين» لتوجهات الإدارة الأمريكية لقناعتها بضرورة أن تثبت للعالم أنها ملتزمة بـ«السلام»!. وبالتحديد، لدول الاتحاد الأوروبي التي أصدرت موقفاً حاسماً تجاه المستعمرات ومنتجاتها.
من النتائج الأولية للقاءات واشنطن والقدس المحتلة يتضح أن سلطة الحكم الذاتي قد قدمت تنازلات جديدة –وظيفتها التي رسمها اتفاق أوسلو- حول الحدود، ووقف البناء والتوسع في المستعمرات، وإطلاق سراح الأسرى. كما التزمت سلطة المقاطعة بطلبات الإدارة الأميركية بعد أن لوحت بقطع المعونة عنها، وقامت بتجميد/وقف كل الخطوات بالانضمام للهيئات والمنظمات المتفرعة عن هيئة الأمم المتحدة بعد أن أصبحت «دولة غير عضو» في المنظمة الدولية.
لقد أدى نهج «المفاوضات حياة» إلى تفريط جديد كما أكدته وقائع الأسبوعين الأخيرين. فقد صدر كلام خطير عن إمكانية تبادل أراض متفق عليها و«متساوية في المساحة والنوعية». أما بناء المستعمرات الجديدة والتوسع ببناء الوحدات السكنية في المستعمرات/المستوطنات القديمة فتؤكده القرارات الأخيرة الصادرة عن حكومة العدو.
أما حرية الأسرى، فعلى الرغم من إضاءة ستة وعشرين قمراً «محرراً» لسواد ليل الفلسطينيين في الضفة وغزة، فإن تنازلاً واضحاً قد كشفته الصفقة /الرشوة كما تحدث عنها قادة حزب البيت اليهودي المشارك في حكومة العدو. لقد أشاعت السلطة أن أسرى ما قبل أوسلو، سيتم إطلاق سراحهم وفي مقدمتهم أسرى الداخل(إحتلال عام 1948) ومدينة القدس المحتلة. لقد تحول الـ104 أسير إلى رهائن «يتم الإفراج عنهم على دفعات وفقاً لمدى جدية المفاوض الفلسطيني» كما صرحت بذلك «ليفني» رئيسة وفد العدو للمفاوضات.
يعرف شعبنا وأبناء أمتنا أن الأكذوبة الجديدة المسماة مفاوضات، ماهي إلاّ عملية نصب واحتيال دولية وإقليمية ومحلية. إنها باختصار شديد، تبادل أراضي -تنازل جديد عن الوطن- وحرية أسرى مقابل بناء مستعمرات «إطلاق سجين مقابل بناء شقق بالمستعمرات» أو كما يقول آخرون «سلمني أسيراً، أعطيك أرضاً»!.
أمام هذه الكارثة الجديدة، يصر رئيس السلطة على:«أن أي اتفاق سيتم التوصل إليه مع «الإسرائيليين» سيتم عليه إجراء استفتاء شعبي». وكاحترام للإرادة الشعبية(؟) التي دفعت ببعض القوى للتعبير عن رفضها لتلك الأكذوبة، اندفعت قوات السلطة الأمنية/القمعية للتنكيل بالمتظاهرين/ات، كبادرة حسن سلوك أمام «شركاء عملية السلام».
في مواجهة الاستفتاء -لو تحقق-؟ تكون الفصائل والحركات والأحزاب واللجان والهيئات والاتحادات، مطالبة بالرد العملي على نهج/خطة التنازل عن الوطن والقضية. الجميع ينتظر خطوات على أرض الواقع تكون قادرة على اسقاط الصفقة، خاصة وأن قوى عديدة أخذت مواقف لفظية «تستنكر» الذهاب للمفاوضات.
إن الأمل الحقيقي سيكون على جيل نشأ في مواجهة الغزو والاحتلال، سقط رهانه على قوى «تيبست أو تكلست أو ارتهنت»، لا تتقن سوى الإدانة الإعلامية. إن ملامح التغيير القادمة بدأت تتوضح ملامحه في تحرك قوى شبابية ناشطة، بدأت بصياغة إجابات عملية لإنضاج مشروع ٍ للتغيير والتحرير، ظهرت بعض تعبيراته في المدن والقرى والمخيمات ومناطق اللجوء.