تركيا الوظيفة والدور، في ظل أزمة الرأسمالية!
تركيا ما بعد تفجر الأزمة الرأسمالية، ليست تركيا ما قبلها، فالدور التركي على مدى خمسة عقود كان من جملة ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتقاسم مناطق النفوذ.
الدور التاريخي
هذا الدور وإن تخلله مستوى معين من الديمقراطية البرجوازية، لكنه من حيث الجوهر ارتبط بشكل ما مع نظام كان فيه حكم العسكر الدور الأبرز، والتبعية لشبكة العلاقات الدولية هي العنوان العريض، وأحد المخافر المتقدمة في الإقليم لمصلحة الناتو، يغلفه خطاب، يحاكي الأتاتوركية ذو نزعة شوفينية تظهر وتختفي حسب متطلبات سياسات الطبقة الحاكمة.
بدأ هذا النموذج التقليدي للحكم بالتغيير التدريجي منذ إعلان الحرب على الإرهاب، ليحل محله نوع من نظام الحكم يحافظ على الجوهر السابق فيما يتعلق بالتبعية للمركز الرأسمالي، وليستعيض عنه على الصعيد الإيديولوجي بالخطاب الديني ذي العمق المذهبي، بمعنى آخر ليبرالية تحت «حماية الدين» عوضاً عن الليبرالية تحت حماية العسكر، لابل تمّت وعلى مراحل عملية إزاحة العسكر من واجهة المسرح السياسي، ومواقع صنع القرار عن طريق تصفيات الضباط المتلاحقة، إلى أن استقر الأمر للقوى الدينية بالهيمنة على مراكز صنع القرار الأساسية، وترافقت هذه العملية المدعومة أمريكياً بضخ المزيد من الأموال لتشهد تركيا استقراراً اقتصادياً نسبياً، ولتستطيع القيام بالدور الوظيفي الجديد المطلوب منها في منطقة مقبلة على تحولات تاريخية كبرى وفق القراءات الاستراتيجية الأمريكية.
سقوط الـ«جوكر» في الانعطاف
استدعى هذا الدور الاستثمار فيها، وهو ما اقتضى دوراً متورماً لتركيا لتستخدم كـ«جوكر» في اللحظات الانعطافية الحاسمة، وخصوصاً عندما تكون «إسرائيل» -كحليف أول- عاجزة عن القيام بهذا الدورأو ذاك، وتوسيع الفالق الطائفي في المنطقة خير مثال على ذلك....
ما لم يؤخذ في الحسبان على ما يبدو هو تأثيرات الأزمة الرأسمالية على دول الرأسمالية الطرفية ومنها تركيا، وبالتالي دورها الإقليمي الأمر الذي كشفت عنه الاحتجاجات الأخيرة، وما طرحته من أسئلة في الشارع التركي عن الدور الذي تلعبه الطبقة السياسية الحاكمة فيها وماتديره من ملفات إقليمية تحت عباءة خطاب ديماغوجي ديني مضلل، ودورها في تغييب الهوية الوطنية التركية تماماً.
أزمة التبعية
وإذا كان النموذج التابع السابق في ظل الحرب الباردة قد مكّن تركيا من لعب دورٍ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا أن النموذج الحالي عاجز عن لعب ذلك الدور الاستراتيجي المطلوب منه أمريكياً في ظل تفاقم الأزمة الرأسمالية وتأثيراتها متعدد الأشكال على الأطراف، فالتبعية التركية هنا مأزومة كون المركز مأزوماً وبالتالي دورها في حالة تراجع عالمياً، كما أن البنية الديمغرافية المعقدة في تركيا تشكل أحد عوامل العجز، في ظل إثارة النزعات القومية والمذهبية كأحد متطلبات تسويق مشروع الفوضى الخلاقة.
وإذا كانت الطبقة الحاكمة قادرة على إدارة الأزمة لحين من الزمن، مستمدة القوة من الإنجازات الاقتصادية خلال العقد الماضي، فإن عوامل استمرار تلك الإنجازات قد انتهت، وستكون تلك الطبقة في نهاية المطاف مضطرة إلى التراجع تحت ضغط الشارع التركي الذي تحرك بشعارات واضحة تحاكي مصالح أغلبية الشعب التركي.