«طريق الموت».. والسرطان المرضى إلى الأدوية المسروقة.. وأطباء وصيادلة يتاجرون بالأمل!
أطلق عليه اسم «طريق الموت»، فحوادث القنص والقتل على طريق (دمشق- حمص)، عزلت مشفى «البيروني» كأكبر مشفى متخصص في سورية بأمراض السرطان، مدة 4 أيام- الأسبوع ما قبل الفائت- عن مرضاه ومراجعيه من مختلف المحافظات.
«أغلق المشفى، وحوّل مريض واحد فقط إلى قسم تابع لمشفى البيروني في منطقة المواساة بدمشق، أما الباقي فقد تم تخريجهم جميعاً»، وذلك بحسب مصدر ذي صلة في المشفى.
وأردف المصدر لصحيفة «قاسيون» أن «سخونة الأوضاع في منطقة حرستا المحاذية للمشفى، أدت إلى حوادث أليمة، آخرها، سقوط قذيفة أوقعت عدة إصابات في صفوف الحرس».
عاد البيروني للعمل بداية الأسبوع الماضي، لكن الوصول إلى المشفى مازال غصة في حلق المرضى حتى اللحظة، مازاد معاناتهم هماً وأرقاً، فإما المخاطرة على طريق الموت، أو انتظار قدوم الموت، أو اللجوء إلى مهربي الأدوية والفاسدين من الأطباء لشراء جرعات أمل الحياة، وهذه الخطوة غالباً ما تكون لمن يستطيع أن يدفع مبالغ كبيرة أقصاها، وبحسب أحد المرضى (400 ألف ليرة سورية).
المصدر ذو الصلة داخل مشفى البيروني، أكد بأنه «هناك لجنة برئاسة مدير مشفى البيروني، تقوم حالياً بدراسة حل قضية مرضى البيروني ضمن الإمكانيات المتاحة والظروف الراهنة، وهناك دراسة أيضاً، حول إمكانية نقل المشفى إلى مجمع المواساة بدمشق».
وأضاف المصدر إن «قضية نقل المشفى مجرد مقترح تتم دراسته وليس مشروعاً، وهو صعب التنفيذ كونه هناك معدات ضخمة وعيادات كثيرة وأطباء مقيمون والموضوع ليس بالسهل أبداً».
أطباء يسرقون ويهرّبون
طرق الحصول على الأدوية والجرعات بعيداً عن خطورة الذهاب إلى مشفى البيروني، كان لها عدة طرق، أسهلها اللجوء إلى السوق السوداء التي كانت موجودة سابقاً، إلا أن حاجة المرضى الملحة في ظل تردي الأوضاع الأمنية المحيطة بمشفى البيروني، أنعش هذه السوق وأصبحت تجارة أدوية مرضى السرطان شبه علنية، عبر أطباء وصفهم المرضى «بالمتورطين واللصوص»، وأنهم «يعملون في داخل مشفى البيروني».
«استغلوا حاجة المرضى، وشح بعض أنواع الأدوية، وسرقوا جرعات من مشفى البيروني الذي يعملون به ليبيعوها للمحتاجين خارج المشفى وبأسعار مرتفعة»، هكذا كان لسان حال بعض مرضى السرطان الذين تحدثوا إلى صحيفة «قاسيون» عن معاناتهم، مفضلين عدم الكشف عن أسمائهم لحساسية الأمر كون «كل طبيب متورط يعرف مرضاه الذين يزورونه خارج المشفى، لأخذ الدواء المسروق أو المهرب».
صيدليات تتاجر وسماسرة في المشفى
يقول مرافق أحد المرضى إن «جرعات مرضى السرطان الكيمياوية تتكون من 3 أنواع أدوية يتم خلطها سوية، ولكن في البيروني، يحصل المريض على نوعين فقط من 3 في أفضل الأحوال، وغالباً ما يكون النوع الثالث أغلى الأنواع وهو cef».
وتابع «هناك عدة صيدليات في دمشق تبيع أدوية السرطان المهربة أو المسروقة إحداها في منطقة السبع بحرات بدمشق، وأخرى في منطقة عرنوس وهي الأكثر وفرة بهذه الأدوية».
الموضوع تعدى الصيدليات ليصل وبحسب مريض آخر إلى «متاجرة بعض موظفي المشفى بالأدوية هذه»، حيث قال إنه «كان أحدهم يقوم ببيع الدواء لمرافقي المرضى في ساحة المشفى- الحديث في عهد مدير المشفى السابق- وبأسعار مرتفعة» مشيراً إلى أن «كل مريض يحتاج لجرعة معينة، ومجموع سعر الجرعة يتراوح عادة 16 و18 و22 و24 ألف، وقد تصل إحداها إلى 400 ألف ليرة سورية».
يروي مرافق أحد المرضى من سكان مدينة القامشلي بغصّة إن «أحد الموظفين المرتشين، يعمل كسمسار للأطباء المتورطين بسرقة الأدوية وتهريبها، الذي يقوم بدوره باستقطاب الزبائن- المرضى- من داخل المشفى، لشراء الجرعات من طبيب لديه عيادة بدمشق بالتعاون مع مرافقة له من مدينة القامشلي».
وبدأت قصة هذا المرافق حين عرض عليه هذا الموظف «أن يؤمن له الجرعة المفقودة في المشفى من طبيبة في مدينة القامشلي شمال سورية، كونها تقطن هناك وتقصد دمشق 3 مرات في الأسبوع فقط، على أن يتم شراء هذا الدواء من قبلها، وذلك بعد سوء حال الطرقات وانقطاع هذا الدواء عن مشفى البيروني». وأردف «بعد الاتفاق على كل شيء، وفي القامشلي، اتصلت هذه الطبيبة، واعتذرت عن بيعنا الجرعة، وذلك بعد حديثي معها بأنني قمت بالسؤال عن سعر الجرعة في دمشق ما أزعجها» مشيراً إلى أن «امتناع هذه الطبيبة عن بيعنا الجرعة، اضطرني لشرائها من الصيدلية المتواجدة في منطقة عرنوس».
سأل المرافق مرضى آخرين حول ماحدث معه، وبحسب ما قاله فإن «مرضى آخرين كانت هذه الطبيبة تؤمن لهم كل شيء، وتعطيهم الجرعات في عيادة الطبيب المتورط معها في شارع بغداد».
انتهت جرعات الأدوية التي كانت مخصصة لمريض منطقة القامشلي هذا، وجميعها أخذت عن طريق الصيدلية المتواجدة عند منطقة عرنوس وليست من المشفى، وحالياً، جسمه متعبٌ جداً، وهو في حالة تراجع، ويتساءل المرافق «كم من مريض يعاني حالياً من عدم القدرة للذهاب إلى مشفى البيروني لأخذ العلاج المجاني، وكم منهم يتعرض لعمليات الابتزاز من مهربي الأدوية والمتاجرين بها».
مدير المشفى يرفض الرد
وللوقوف على حقيقة دراسة نقل مشفى البيروني إلى مجمع المواساة، والحصول على ردود شكاوى المرضى المتعلقة بالابتزاز وتورط بعض أطباء المشفى بالمتاجرة بالأدوية، اتصلت صحيفة «قاسيون» هاتفياً بمدير مشفى البيروني، والذي رفض رفضاً تاماً التعاون أو الرد على الأسئلة، طالباً من فريق الصحيفة أن يقوم بزيارته في المشفى رغم خطورة الطريق، متجاهلاً أن القضية الأساسية التي يعاني منها المرضى اليوم والتي دفعت المشفى إلى الاغلاق عدة أيام، هي تردي الوضع الأمني.
وبعد أن طلبت الصحيفة لقاءه في عيادته بشارع بغداد في دمشق، رفض مدير المشفى ذلك، وطلب حصراً زيارته في البيروني، وفي اتصال هاتفي مع معاون وزير التعليم العالي للشؤون الصحية، طلب حصر القصة مع مدير المشفى كونه على اطلاع أكبر بما يدور هناك، وهو من يقوم بدراسة الحلول ضمن الإمكانيات، ما يعتبر عرقلة واضحة للحصول على المعلومة والردود الواضحة من الجهات المعنية.
ويشار إلى أن صحيفة «قاسيون» توجهت إلى وزارة الصحة منذ حوالي الـ 4 أشهر، للحصول على ردود عن بعض الأسئلة المتعلقة بأزمة الأدوية ككل، إلا أنه لم يتم الرد على التساؤلات في الوقت المحدد، وحتى اليوم، وذلك بسبب روتين الجهات الرسمية التي تتبعه الوزارة للحصول على الأجوبة الصحفية عن طريق المراسلات بالفاكس حصراً، والحصول على موافقات وما إلى ذلك.
ومنذ أيام، وتأكيداً على أن مرضى السرطان يعانون صعوبة الوصول إلى مشفاهم المختص الأكبر في سورية والحصول على العلاج المخصص، أعلن وزير الصحة «سعد النايف» أن الوزارة تعمل حالياً على توفير كل احتياجات أقسام وشعب معالجة الأورام في مشافي الهلال الأحمر والرازي بحلب والوليد وكرم اللوز بحمص، وسيتم لاحقاً رفد أقسام معالجة الأورام المحدثة في مشفيي دمشق وابن النفيس بالأدوية اللازمة إلى جانب تأسيس أقسام مماثلة في المحافظات كافة لتخفيف العبء عن مشفى البيروني الجامعي والأعباء المادية ومعاناة التنقل بالنسبة للمرضى وأسرهم.
زيادة الإقبال على الهلال الأحمر
وذكر الوزير النايف أنه «عند إحداث شعبة معالجة الأورام في مشفى الهلال العام الماضي كان من المخطط أن يستقبل 150 مريضاً خلال العام الأول لكن ونتيجة الظروف الراهنة تضاعفت الخطة الاستيعابية واضطر لاستقبال ما يزيد على 450 مريضاً معظمهم كانوا يتلقون العلاج في مشفى البيروني حيث تعمل كوادر مشفى الهلال على مدار الساعة لتلبية الاحتياجات المتزايدة». وافتتحت وزارة الصحة شهر أيار العام الماضي 2012، شعبة متخصصة بمعالجة الأورام السرطانية في مشفى الهلال.
معاناة مرضى السرطان متشعبة، فبعد الحصار الاقتصادي على سورية، انقطعت عدة أصناف من الأدوية ومنها ما هو حساس، ورغم وعود الحكومة باستيراد أنواع بديلة أخرى من دول صديقة، إلا أن ذلك لم يحدث.
هناك من يهرّب الأدوية إلى سورية من الخارج، وهناك من يهربها من داخل مشفى البيروني ذاته، مع العلم أن الأدوية هذه قد تكون خطيرة على هذه الشاكلة، فالدواء غير الموجود في المشفى بشكل مرخص، ليس موجوداً في كل سورية بشكل مرخص من وزارة الصحة، أما الدواء المرخص والمهرب من داخل المشفى ذاته، فيجب أن يكون الحصول عليه باشراف أطباء مختصين، وإلا فإن في ذلك خطورة على حياة المرضى.