من الذاكرة: وسقطت الأقنعة
لأحد أصدقائي، وهو رفيق ترك التنظيم منذ أواسط الثمانينيات، فراسةٌ في اجتلاء الأمور الملتبسة، وقد التقيته قبل أيام، وبعد التحيات قال لي :
أنا أؤيدكم بنسبة 75% كونكم مناضلين وطنيين وطبقيين، وأعارضكم بنسبة 25% لدخولكم الوزارة، مع يقيني بأنكم من المعارضة الوطنية المحترمة. والجماعة (يقصد بها السلطة) تريدكم شماعةً لتحمّلكم أوزارها وموبقاتها، ولا يخفى عليكم الطبيعة الطبقية للسلطة التي تحدث عنها الحزب الشيوعي منذ عام 1980.
فقلت له: أذكر ذلك، وأذكر أن ما يحدد هذه الطبيعة بشكل رئيسي هي سمات الفئات المتنفذة فيها، حيث اتسع دور البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية، واتسعت ظاهرات فسادهما، وظهرت أعداد كثيرة من أصحاب العقارات والمزارع والشركات الكبرى، وبسبب ضعف الديمقراطية وانعدام إمكانية النقد الواسع الصريح، وبسبب عدم الاعتماد على الجماهير وعلى نشاطها، استفحل نفوذ قوى هاتين البرجوازيتين، وأضحى تأثيرهما على التوجه الاجتماعي الاقتصادي كبيراً، فقاطعني قائلاً: واستمر هذا النفوذ من حينها يشتد بشكل صاعد، إلى أن أدخل بلادنا في أتون أزمة تأخذ بخناق الشعب والوطن.
وهاكم ترون بأعينكم على شاشات محطات رسمية ومحلية ممثلي أولئك الطفيليين يهاجمونكم ويتهمونكم بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ويدعون بأنهم يتكلمون بلسان حال الجماهير المسحوقة، فلو لم تكونوا في الوزارة، لما كانت بأيديهم أي حجة في اتهاماتهم المذكورة، وأنا كما تعرفني مع المعارضة الوطنية قلباً وقالباً، واعتبر القوى الظلامية صنيعة الإمبريالية والصهيونية، ولا علاقة لها بأي موقف وطني في الداخل أو الخارج.
ثم تابع دون أن يترك لي فرصة النقاش قائلاً : إنني أدين وأستنكر الأساليب الغريبة الدخيلة التي طغت على ساحة النقاش المألوف من زمن طويل بين الخائضين غمار العمل والنشاط والنضال السياسي، والتي أثارت وتثير الكراهية والأحقاد بسعيها المحموم لتفرض على الآخرين الانصياع لرأيها، وإلا فهو عدو يجب اجتثاثه بكل ما في هذه الكلمة من مدلول ومعنى.
وأكد أننا اليوم أمام همجية وافدة من عقر دار صنع القرارات الإمبريالية والصهيونية لزج بلادنا وشعبنا في مستنقع الفوضى الخلّاقة والتفتت ومن ثم الانقراض، وأردف ((هادراً)) :
والنغم الجديد في طنبورهم هو ما نسمعه من سدنتهم أدّعياء (اليسار) المتخندقين جنباً إلى جنب مع القوى الظلامية، واليسار منهم براء، وإن وُجدوا يوماً في صفوفه، متطفلين عليه، والجميع يعرف أن الإمبريالية بكل أطيافها هي العدو الأول لليسار في العالم قاطبةً. إنهم يستميتون بكل ما يمتلكون من طاقة وشحن خارجي مدان مستنجدين ومستدعين آلة الحرب الاستعمارية المدمرة لتفتك بشعبنا وتسفك دمه. وقبل أن أعقّب على كلامه أو أشرح وجهة نظري، ودعني على أمل أن نلتقي ثانيةً لنكمل ((حوارنا)).