وزير الاتصالات وشركتا الخليوي.. تصريحات تبريرية جديدة خارج الموضوعية! هل تنجح التبريرات في تجميل الواقع؟
فرح شرف فرح شرف

وزير الاتصالات وشركتا الخليوي.. تصريحات تبريرية جديدة خارج الموضوعية! هل تنجح التبريرات في تجميل الواقع؟

استفاق السوريون الشهر الماضي على صدمة الارتفاع الجنوني بأسعار باقات الانترنت، لكن الكارثة الحقيقية تمثلت في موقف وزارة الاتصالات الداعم والتبريري، والذي أعاد تأكيده الوزير، عبد السلام هيكل، في لقاء صحفي أجراه مع «تلفزيون سورية» في 4 كانون الثاني.

ففي الوقت الذي تعاني فيه شرائح واسعة من المجتمع من تدهور القدرة الشرائية وضيق الحال، تواصل شركتا الخليوي جني المليارات، فيما الوزارة لا تقف متفرجة فقط، بل تساهم في تثبيت احتكارهما للقطاع!

التناقض الصارخ بين التبريرات والواقع المالي


عند سؤال الوزير عن سبب ارتفاع أسعار الخدمات بدلاً من تحسين الجودة، تمحور رده حول التكاليف التي «تتكبدها» MTN   وسيريتل، حيث لا يمكن تخفيض الأسعار لضرورتها في تغطية رواتب الموظفين والصيانة والالتزامات التطويرية!
والواقع، أن البيانات المالية الحديثة تكشف عن أرقام صادمة؛ فقد بلغت إيرادات سيريتل خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 1,941 مليار ليرة، بنسبة زيادة 19% عن الفترة نفسها من العام الماضي. وبلغ صافي الربح بعد الضريبة 465 مليار ليرة.
أماMTN   فبلغت إيراداتها 794 مليار ليرة، بنسبة زيادة 10,26%، وبلغ صافي الربح بعد الضريبة 130 مليار ليرة.
تشكل هذه الأرقام دليلاً دامغاً على الحجم الهائل للتدفقات النقدية التي تجنيها الشركتان، وتكشف عن سيطرة احتكارية على سوق الاتصالات، مما يتيح لهما تحقيق أقصى درجات الربح. بينما تأتي تبريرات الوزير لتزيد الطين بلة.
حيث يخلط– متعمداً أو غير متعمد– بين التكاليف التشغيلية والتكاليف الاستثمارية. فرواتب الموظفين وصيانة الشبكات هي جزء لا يتجزأ من عمل الشركة، ومن الطبيعي أن يتم تغطيتها من الإيرادات. أما تطوير البنية التحتية، والتحديث التكنولوجي وغيره، فهي تكاليف من المفترض أن تمولها الأرباح المحققة، وليس عن طريق تحميل المستهلك أعباء إضافية.
كما وذكر الوزير أنه لا يستطيع فرض تخفيض الأسعار بعد أن وافقت على ذلك الهيئة الناظمة للاتصالات!
فهل هذا يعني أن الهيئة تعمل بمعزل عن الوزارة؟ 
أم أن الوزير كان ربما في «عطلة إدارية» يوم تمرير قرار التسعير!

الإشكالات القانونية والتنظيمية


يتجاهل الوزير أيضاً عدم الالتزام بالمادة 42 من قانون الاتصالات، والتي تلزم الشركتين المهيمنتين بالتقيّد بالحدود العليا والدنيا للأسعار التي تعتمدها الهيئة الناظمة. ما يُعد خرقاً صارخاً، ويفتح الباب أمام التغوّل أكثر في الممارسات الاحتكارية.
فإذا كانت الهيئة غير قادرة على مراقبة السوق، والتحقيق في المخالفات، وبل توافق على قرارات تسعير دون أي اعتبار للظروف الاقتصادية للمواطنين، فإن هذا يطرح تساؤلات جدية حول دورها وقدرتها على فرض القانون، ودور الوزارة المنظم لعمل الهيئة.

أسعار مرتفعة وجودة تنازع


في معرض حديثه عن سوء جودة الانترنت الخليوي، أجاب الوزير، بأن «شرح المشكلة يتطلب النظر إلى كيفية استخدام الناس للشبكة ...» وأن «الانهيار» يبدأ من الاعتماد الكامل على الانترنت الخليوي بدل المنزلي!
بعيداً عن افتقار هذا «الشرح» للموضوعية، فإن الصورة تتضح من خلال مجموعة البيانات التي قدمها الوزير نفسه. فأبراج الاتصالات تعمل بأكثر من طاقتها بنسبة 110%، وهذا الرقم وحده كافٍ للدلالة على أن المشكلة تكمن في البنية التحتية، وعدم وجود أبراج كافية، بغض النظر عن «سلوك» المستخدم!
وطالما أن الأبراج تعمل فوق طاقتها، فهذا يعني أن هناك حاجة ملحة لتوسيع الشبكة وتحديثها، ما يعيدنا إلى ضرورة إنهاء الدولة لاحتكار MTN وسيريتل للقطاع، وإعادة فرض سيطرتها عليه، بدلاً من إلقاء اللوم على «سلوك» الناس.

تكريس الاحتكار


تعكس أجوبة الوزير تبريراً لسياسات تزيد من إثراء قلّة على حساب السوريين، وغياباً لإرادة حقيقية في معالجة الأوضاع التنظيمية والهيكلية، وانتهاكاً للقوانين واللوائح التي من المفترض أن تحمي المستهلك وتنظم السوق. والأهم، أنها تعكس تجاهلاً للواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، حيث تستهلك الباقات، بحسب حجمها، ما بين 7 إلى 30% من الدخل في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر، فيما الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 750 ألف ليرة!
فإذا كانت الحكومة لا تمتلك الشجاعة، أو الإرادة، لتأميم هذا القطاع السيادي والعالي الربحية، فأضعف الإيمان أن تتبنى سياسات واضحة وشفافة تضمن عدم استغلال الشركات لحاجات المواطنين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1257