حلب تنهار بلا رحمة... ضحايا الأبنية المخالفة وأهالي يئنّون تحت وطأة الإيجار والخراب

حلب تنهار بلا رحمة... ضحايا الأبنية المخالفة وأهالي يئنّون تحت وطأة الإيجار والخراب

في 9 كانون الأول 2025، حدث ما كان متوقعاً ولكن لم يُمنع: انهيار مبنى مخالف في حي كرم القاطرجي في حلب، راح ضحيته عاملان وأُصيب اثنان آخران بجروح خطِرة. لم يكن هذا المبنى مجرد ضحية عقدة إنشائية؛ بل نتيجة تراكم إهمال ومخالفة صريحة للوائح السلامة في السكن والبناء.

أين كان التحذير؟ 


الإجابة كانت موجودة بالفعل، من وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، التي لم تكرر فقط ما هو تقليدي في مثل هذه المناسبات، بل حذرت صراحةً بأن الأبنية التي تُبنى خارج المعايير القانونية والفنية ليست مجرد مخالفة ورقية- بل تهديداً مباشراً لحياة الناس. فعلى لسان مسؤولي الوزارة كان التحذير واضحاً: الأبنية المخالفة هي من أخطر التهديدات التي تواجه سلامة الأبنية وسلامة السكان.
هذا ليس ترف بيانٍ وظيفي، بل نداءً بضرورة احترام معايير السلامة وإيقاف المخالفين قبل أن تتحول الأخطاء إلى جثث وأشلاء.

بلاغات وإنذارات... تبرير أم هروب من المسؤولية؟


الجهات الرسمية المحلية في مجلس مدينة حلب ومحافظة حلب لم تذهب إلى أبعد من القول إن الإنذارات التي وُجهت للمشروع كانت موجودة، وأن الأعمال استمرت «على الرغم من التحذيرات». هذا ما تم تناقله في بيانات وشروح محلية- كما لو أن مجرد توجيه إنذار يُعفي المسؤولين من الواجبات التنفيذية في حماية الناس.
لكن الحقيقة مُرّة... التنبيه لا يكفي، ولا يمكن أن يكون ستاراً يتخفّى خلفه الفشل في التطبيق والمحاسبة. إذا كانت المحافظة قد وزّعت إنذارات ولم تُنفّذ إجراءات حاسمة (وقف العمل- إيقاف المخالفة- إزالة المخاطر) فهنا يكون السؤال: لماذا أصلاً توجد أجهزة رسمية إذا كانت مهامها تُتَرجَم إلى تسطير كلمات على ورق؟

الأبنية المدمَّرة واقع يحتاج إلى حل لا إلى تسويف


منذ سنوات الحرب، آلاف المنازل في حلب مدمرة جزئياً أو كلياً، واليوم يعيش كثير من الأهالي مأساة مزدوجة:
بيوتهم ليست آمنة للسكن.
أعباء الإيجار تثقل كاهل الأسرة التي تُجبر على العيش في مأوى مؤقت أو شقة مستأجرة وبأسعار فلكية بالمقارنة مع الدخل.
السؤال الذي يطنّ في أذان الناس:
هل من المنطق أن يعيش المواطن تحت خطر الأبنية المهترئة، وفي الوقت نفسه ينفق كل ما يملك لإيجار يُثقل كاهل الحياة المعيشية؟

ضرورات الترميم والحياة اليومية


أهالي أحياء حلب يعرفون أن ترميم البيوت أو إعادة بنائها ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء والاستقرار. فالحياة اليومية تتطلب:
مأوىً آمناً للأطفال والعائلة.
حمايات من متغيرات عوامل الطقس.
إمكانية العودة للاستفادة من شبكات المياه والكهرباء الأساسية.
التخلص من شبح الإيجار الذي يسرق أجور العمل ورواتب الموظفين.
كل هذه الضرورات ليست ترفاً بل حاجات إنسانية لا يمكن تأجيلها. ومع ذلك، في ظل غياب دور الجهات الحكومية في تسهيل أو تمويل أو تنظيم عمليات الترميم، نجد المواطنين يغامرون بسلامتهم عبر البناء المخالف لأنهم ببساطة لا يملكون خيارات أخرى.

تجاهل رسمي يُشعل غضب الناس


الأمر لا يتوقف عند انهيار مبنى في كرم القاطرجي، بل يشمل سياسة مزمنة من الإهمال:
وزارة الإدارة المحلية ووزارة الإسكان غير مرئية في معظم المناطق التي تحتاج إلى خطة واضحة لإعادة تأهيل المنازل وآليات دعم للسكان.
القوانين المتعلقة بالبناء والتراخيص تظل حبراً على ورق حين لا توجد رقابة فعّالة ومحاسبة حقيقية.
جهات كبيرة مسؤولة تجاه المناطق المتضررة- لا ترميم، لا دعم، لا تطبيق صارم للقانون.
أمام هذا المشهد، ليس غريباً أن يشعر المواطن بأن المسؤولية الرسمية مجرد شعارات يُسوَّق بها إعلامياً، بينما الواقع على الأرض مختلف تماماً. كلما تكررت حوادث الانهيار- كلما تكشّف الفشل في حماية الناس.

حلب تستحق أكثر من التحذير


حلب ليست مجرد خبر عابر أو رقم في تقرير إخباري. هي مدينة يبلغ عدد سكانها الملايين، تضررت بشكل غير مسبوق، وتستحق برامج تنفيذية واضحة لإعادة البناء الآمن، سياسة إسكان عادلة، ومحاسبة مسؤولة لكل من يخرق القوانين ويغامر بسلامة المجتمع.
إذا كانت وزارة الطوارئ والكوارث ترى الأبنية المخالفة كأكبر تهديد، فإذاً لماذا لا تُترجم هذه الرؤية إلى إجراءات فورية وفعّالة عبر وزارة الإسكان ووزارة الإدارة المحلية ومحافظات المدن؟
كم من حادث آخر يجب أن يقع حتى تستيقظ الأجهزة الرسمية من سباتها وتضع حياة الناس فوق كل اعتبار؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1256