الجمال والتجميل صرعة العصر بلا ضمانات وعلى أيدٍ غير متخصّصة، والضحايا إلى ازدياد!
لم يعد البحث عن الجمال والتجميل مقتصراً على المشاهير بل تعدى ذلك وصولاً إلى شرائح اجتماعية واسعة، وعلى اختلاف إجراءاته، فلم يعد حكراً على الميسورين بل أصبح مقصداً لأصحاب الدخل المتوسط والمحدود أحياناً، والأهم أن القائمين عليه ليسوا من المتخصصين فقط، بل لكل من اتبع دورة تدريبية قصيرة فأصبح «خبيراً وأخصائي تجميل» بلا أي مؤهل طبي حقيقي لممارسة هذا النوع من التدخلات شبه الطبية (التجميل غير الجراحي)، من حقن البوتوكس و الفيلر، إلى الليزر لإزالة الشعر وغيرها، وتحت شعار «موجة العصر» بات التجميل كالسيل الجارف يكتسح عقول النساء والرجال على حدٍ سواء، وسط فوضى قانونية وأخلاقية عارمة.
صرعة العصر!
تنتشر في مراكز التجميل والعيادات وحتى صالونات الحلاقة، مُطلقة إعلاناتها الترويجية والتسويقية، سواء أكانت عمليات تجميل جراحية أو إجراءً تجميلياً غير جراحي، كجزء من ثقافة استهلاكية فرضتها الليبرالية المشوهة والمعولمة، جرى ويجري تعميمها وتكريسها منذ عقود، فلكل إجراء تداعياته التي لا تخلو من المخاطر والأعراض، ومع ذلك يبدو أن «الموضة» أقوى من ذلك.
ليتحول الباحث عن الجمال إلى مهووس أمام سلسلة من الإجراءات التي تحتاج ملاحقة دائمة لقصر جدواها الزمني، وتتطلب إعادة العملية بين الحين والآخر لأن المواد المستخدمة فيها يستهلكها الجسم وتزول تدريجياً، كتغطية التجاعيد بالبوتوكس وملء الشفاه بالفيلر، مع تكلفة مرتفعة في كل مرة تصل إلى مئات آلاف الليرات السورية، و«كلو لأن اللي بدو يتجمل بدو يتحمل!».
كل من هبّ ودبّ
ازدادت التنافسية في هذا المجال لتحقيق المزيد من الأرباح، ودخله غير المتخصصين وما ترتب عليه من نتائج سلبية على المرضى أو من تُغريهم الإعلانات، ليدفعوا ضريبة التجميل من جيبهم ومن صحتهم وجمالهم، فيسقط ضحايا أكثر.
فهذه العمليات تعتبر بسيطة ولا تتطلب مكاناً مخصصاً، وبالتالي بيئات عمل غير آمنة وغير نظيفة مما يضعهم أمام مخاطر صحية قد تكون مميتة لانعدام النظافة كما التعقيم والكفاءة والخبرة الطبية المختصة بالتعامل مع تشريح أعضاء الجسم، كالوجه والأعصاب فيه، وخاصة حقنة البوتوكس وخطر الشلل، كذلك الليزر الذي بات يجري في صالونات الحلاقة واحتمالية انتقال الأمراض المعدية أو تعرض الجلد لحروق لانعدام خبرة من يسمون أنفسهم «خبراء التجميل» إنتاج دورات ترويجية تقول: «من يريد العلم بياخده بيومين من عنا بس».
ناهيك عن عدم موثوقية المواد المستخدمة التي لا تخضع لرقابة ومعظمها مُهربة، والنتيجة؛ الانسياق وراء عروض الأسعار الرخيصة في مراكز غير مرخصة والتي تستهدف وتستقطب أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، ضمن بيئة عير آمنة تحت أيدٍ غير متخصصة، ليصبح مجالاً تخصصياً مفتوحاً أمام كل من هبّ ودبّ، مما يزيد أعداد الضحايا الموهومين المخدوعين بالدعاية والتسويق، ليزيد أصحابها أرباحهم ويدفع المفقرون ثمن الاستغلال وقلة الوعي.
تحت شعار «طب الأسنان التجميلي»
أصبح بعض أطباء الأسنان جزءاً من هذه الموجة، مع تزايد الإقبال طمعاً بأرباح طائلة مما يثير جدلاً واسعاً حول الحدود الفاصلة بين التخصصات، حيث قُدرت نسبة العاملين بهذا القطاع من غير المتخصصين بـ 20%.
فقد أكدت مديرية الصحة في اللاذقية وفق تعميمها الأخير إلى المنشآت الصحية على منع عمل طبيب الأسنان في الإجراءات الجراحية التجميلية وغير التجميلية، ويقتصر عمله على تخصص «الفم» فقط، كما شدد على ضرورة التقيد تحت طائلة المساءلة القانونية.
المطلوب ضوابط وقرارات واضحة
لا يكفي التعميم الرسمي المحدود مكاناً، بل الواقع يتطلب مراقبة ومتابعة ومحاسبة عامة، فالمسؤولية لا تقع على المراكز غير المرخصة فقط، وقاصديها من المواطنين، إنما على وزارة الصحة ونقابة الأطباء التي تلتزم الصمت والتجاهل لانتهاكات تجري على مرأى ومسمع الجميع دون أي مساعٍ حقيقية للتدخل ووضع حد لهذا الانفلات بتنظيم القطاع وضبط المخالفات وحماية المهنة من الدخلاء، فالسكوت الرسمي فسح المجال لمراكز التجميل غير المرخصة وغير التخصصية لتسرح وتمرح كما يحلو لها وتضاعف أرباحها.
فالواقع بحاجة ملّحة لإطلاق حملات توعية حول مخاطر هذه الإجراءات الواهمة بالجمال السريع والتي قد تتطلب أحياناً تدخلاً جراحياً أو علاجاً طويلاً بسبب المضاعفات، كذلك التحرك العاجل من قبل الجهات الرقابية لإغلاق المراكز غير المرخصة ومحاسبة القائمين على هذه الممارسات الخطرة.
وإلا فاستمرار التجاهل الرسمي يعني الرضا بهذا الواقع والاستفادة منه بشكلٍ ما، والنتيجة مزيد من الضحايا أمام أرباح طائلة في ظل هذه الفوضى!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1255
رشا عيد