التوجه نحو إنشاء شركة قابضة للنفط في سورية والأبعاد الاقتصادية والسيادية

التوجه نحو إنشاء شركة قابضة للنفط في سورية والأبعاد الاقتصادية والسيادية

يُعدّ قطاع النفط والغاز من الركائز الأساسية للاقتصاد السوري، نظراً لأهميته في تأمين موارد الطاقة والإيرادات العامة، فضلاً عن كونه قطاعاً سيادياً له انعكاساته الأمنية والسياسية المباشرة.

في هذا السياق، أعلن وزير الطاقة السوري مؤخراً عن نية الحكومة تأسيس شركة قابضة للنفط تضم شركات متخصصة بالاستخراج والتكرير والتوزيع. ورغم أن الإعلان لم يحسم بعد مسألة ملكية هذه الشركة وما إذا كانت ستبقى حكراً على الدولة أم ستشهد دخولاً للقطاع الخاص، إلا أن هذا التوجه يثير جملة من التساؤلات حول المخاطر والفرص المرتبطة به.

البعد الاقتصادي لإنشاء الشركة القابضة

إن تأسيس شركة قابضة يمكن أن يُقرأ من زاويتين:

  • جانب إعادة الهيكلة وتحقيق الكفاءة، فالواقع الحالي في إدارة شركات النفط يبدو أنه يعيق الفعالية ويضعف التنسيق، فيما قد يتيح النموذج القابض مرونة أكبر في توجيه الموارد وتحسين الأداء.
  • الجانب المرتبط بجذب التمويل والتكنولوجيا، فبسبب العقوبات وضعف القدرات الوطنية، قد يُنظر إلى إشراك القطاع الخاص، المحلي أو الأجنبي، على أنه وسيلة لتأمين استثمارات وخبرات تقنية تساهم في تحديث البنية التحتية.

البعد السيادي والسياسي

يطرح إدخال القطاع الخاص في قطاع نفطي استراتيجي إشكاليات عميقة نلخصها بالآتي:

  • السيادة على الموارد الطبيعية، وخاصة الموارد الاستراتيجية التي يجب أن تبقى تحت السيطرة المباشرة للدولة لضمان استقلالية القرار الوطني.
  • مخاطر النفوذ الخارجي المتمثلة بمشاركة شركات أجنبية، حتى لو عبر عقود تشغيلية، قد تمنحها أدوات ضغط على الدولة المضيفة.
  • توزيع الريع النفطي، فمشاركة القطاع الخاص في الأرباح سيحد من قدرة الدولة على توظيف العائدات في تمويل الخدمات العامة والتنمية الوطنية.

نماذج المقارنة الدولية

ربما بهذا الصدد يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى:

  • النموذج الخليجي، حيث بقيت ملكية النفط سيادية بالكامل، بينما اقتصر دور القطاع الخاص على عقود الخدمات.
  • النموذج الروسي، حيث سمح الانفتاح الواسع للقطاع الخاص والأجنبي في التسعينيات بتراجع السيطرة الوطنية على النفط، قبل أن يُعاد تأميمه تدريجياً.
  • النموذج اللاتيني (فنزويلا مثلاً)، حيث فُتح القطاع بشكل محدود، مع إبقاء الدولة المالك الرئيسي وضبط عقود الشراكة بصرامة.

مقاربة توازنية مقترحة

للتوفيق بين الحاجة إلى التطوير والحفاظ على السيادة، يمكن اقتراح:

  • ضرورة الإبقاء على ملكية الدولة للشركة القابضة مع فتح المجال أمام القطاع الخاص في عقود خدمية أو تشغيلية محدودة.
  • تطوير الإطار التشريعي والرقابي بما يضمن الشفافية والمساءلة في أي صيغة شراكة.
  • تعزيز القدرات الوطنية في مجالات البحث والتطوير والتكنولوجيا النفطية لتقليل الاعتماد على الخارج على المدى الطويل.

الحفاظ على السيادة الاقتصادية والسياسية شرط وطني

إن التوجه نحو إنشاء شركة قابضة للنفط في سورية يمثل خطوة بنيوية في إدارة قطاع حيوي، لكنه في الوقت ذاته يضع صانع القرار أمام معادلة صعبة، الحاجة إلى استثمارات وتكنولوجيا جديدة من جهة، والحفاظ على السيادة الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى.

إن صياغة نموذج تشاركي متوازن، يحصّن السيادة الوطنية ويستفيد من مزايا القطاع الخاص في حدود مدروسة، هو الشرط الأساسي لنجاح هذه المبادرة وتجنب مخاطرها على المستوى الوطني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242