مزارعو البطاطا... تعددت الأسباب والخسائر متزايدة!
ملف المحاصيل الزراعية لم ينتهِ بعد، بل يفتح في كل مرة صفحة جديدة من المعاناة تحت اسم وتوقيع خاسر وحيد، هو المزارع المفقر الذي يقف ضعيفاً مكتوف الأيدي ولا حول ولا قوة له.
وفي الطرف المقابل، الذي يُفترض أنه المعني الأول بحماية المزارعين والحفاظ على حقوقهم، تقف الجهات المسؤولة وسط مزيد من التصريحات الإعلامية «فقط» والتي تؤكد على خططها لدعم القطاع الزراعي وأهميته في مساندة الاقتصاد الوطني، لكن على ما يبدو أن هذا الكلام لا يتجاوز إطار التصريحات.
فالواقع عكس ذلك ويراوح مكانه، لا بل يتراجع وخسائر المزارع تزداد والمصاعب تتضاعف، اعتباراً من إلقاء البذار في الأرض إلى التسويق وبيع المحصول، وهذا ما يواجهه مزارعو البطاطا لهذا العام.
الإنتاج متفاوت
مع موسم جني البطاطا لهذا العام بدت الصورة متناقضة بين المحافظات، فمنها ما حققت إنتاجية مقبولة نوعاً ما وأخرى شهدت تراجعاً وخسائر لعوامل متعددة.
فقد أظهرت البيانات المجمعة من عدة مصادر رسمية وإعلامية، أن إنتاج سورية في سنوات قريبة وصل إلى نحو 600 ألف طن، مما جعلها من الدول جيدة الإنتاج إقليمياً، لكن المؤشرات الحالية متفاوتة، فمثلاً:
في درعا، أعلن عن إنتاج يقارب 62 ألف طن، ووصف بالمقبول (فهي تعرف بجودة إنتاجها) ولكن هناك تراجع في المساحات المزروعة نتيجة ارتفاع التكاليف وضعف التسويق.
وكذلك في حمص فقد وصل الإنتاج إلى نحو 34 ألف طن مع تناقص في المساحات المزروعة مقارنة بالعام الفائت.
أما المحافظات الشمالية الشرقية (دير الزور والرقة) فسجلتا نحو 1,638 طن ضمن مشروع دعم المزارعين، وبمعدل إنتاجية مرتفع وصل إلى 30 طناً في الهكتار الواحد.
هذه الأرقام لا تؤكد وجود تراجع أو وفرة، بل إن الإنتاج منخفض إلى حدٍ ما، فالأمر يرتبط بمكان الزراعة وظروفه، ولكن المؤكد أن المزارع يعيش ضغوطاً مشتركة في جميع المحافظات.
صعوبات وتحديات والمزارع الخاسر الوحيد!
الظروف المناخية القاسية (الجفاف) وغير المناسبة لهذا العام، كانت العامل الرئيسي في تراجع الإنتاج، حيث انخفضت معدلات الهطول المطري وهذا انعكس بدوره على انخفاض مياه الآبار التي تعد مصدراً وحيداً للري في محافظة درعا مثلاً، كما موجات الحرارة الشديدة التي تزامنت مع فترة نمو البطاطا، مما يضطر المزارع إلى شراء صهاريج من المياه في مناطق أخرى.
كذلك ارتفاع التكاليف من بذار وأسمدة، كما الأدوية الزراعية والمبيدات وغيرها من مستلزمات الإنتاج، وأعباء الأعمال المكلفة كالتعشيب والعناية الدائمة، فأسعار البذار التي تباع بالدولار من المصرف الزراعي وغير الكافية ليشتريها المزارع من التاجر وبسعر مرتفع وجودة متدنية، أما العقبة الأكبر فتكمن في تسويق المنتج في ظل انخفاض سعر الكيلو غرام (بالجملة) إلى 2000 ل.س ومنافسة المستورد الذي أُغرق به السوق بالرغم إصدار قرار بتوقفه خلال شهر أيلول وذلك في إطار دعم المنتج المحلي، لكن الواقع يقول على لسان أحد المزارعين وغيره كُثر «بعنا المحصول بخسارة ومين يعوضنا؟!»
وقد أوضح نائب رئيس لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه بدمشق محمد العقاد في تصريح «للوطن» أنه رغم صدور قرار من وزارة الاقتصاد بإيقاف استيراد بعض أنواع الخضر والفواكه خلال شهر أيلول الجاري فوجئنا باستمرار استيراد بعض المواد من التجار وامتلاء أسواق دمشق ببعض الأنواع الممنوعة من الاستيراد مثل الثوم والبطاطا والليمون.
أين الدعم الحكومي؟!
«كنا نتمنى لو أن الجهات المعنية مدت يد العون وساهمت في التخفيف لما لحق بمواسمنا من أضرار انعكست سلباً علينا»!
بهذه الكلمات اختصر أحد المزارعين المعاناة وغياب الدور الحكومي والدعم ضمن مسلسل خسائر المزارع التي لا تنتهي والذي لم يعد يعرف هامش ربح!
فجاء الرد من مؤسسة إكثار البذار حول شكوى المزارع عن عدم وفرة كمية البذار «أن البذار متوفرة وبسعر 7000 ل.س والمستورد مرتفع، فلجوء المزارع إليه أمر لا نحدده نحن».
لا يكفي التنصل من المسؤولية بهذه الكلمات، فما الذي يدفع مزارعاً مفقراً ليضع نفسه تحت رحمة التاجر وشراء البذار بسعر مرتفع وتحمل أعباء جديدة إذا كانت البذار متوفرة؟!
المطلوب اليوم، دعم القطاع الزراعي والمزارعين فعلاً لا قولاً، وذلك بمنح القروض الميسرة، وخاصة من أجل الطاقة البديلة في ظل غياب الكهرباء، وتوفير المحروقات بسعر مدعوم، وكذلك البذار المدعومة وعالية الجودة والموثوقة، وإعطاء المنتج المحلي أولوية وخاصة في الوضع الحالي.
فما يجري اليوم أزمة زراعية واسعة في ظل وفرة إنتاجية ممكنة ولكن سياسات زراعية وتسويقية مرتبكة تدفع المزارع إلى التخلي عن زراعة البطاطا، وبالتالي ليس إغلاق باب الرزق لآلاف العائلات فقط، إنما انعكاس سلبي على الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1242