البطالة بين وهم الوعود الاستثمارية وغياب دور الدولة!
تتفاقم أزمة البطالة في سورية، وهي متفاقمة أساساً من قبل انفجار الأزمة عام 2011، وازداد الوضع سوءاً خلالها حتى يومنا هذا، وكيف لا؟!
فالشغل الشاغل للشباب السوري اليوم هو البحث عن فرصة عمل توفر لهم دخلاً يبقيهم على قيد الحياة، لتأتي أخبار المشاريع الاستثمارية كجرعة أمل للباحثين عن بارقة في الأفق المظلم والمغلق، لتسود حالة من الشعور بالرضا والتفاؤل في الشارع السوري بالإعلان عن مئات الآلاف من فرص العمل التي ستوفرها هذه المشاريع، لكن يبدو أنها حالة تفاؤلية مؤقتة ليس إلا!
مئات الآلاف من فرص العمل على الورق!
أتت البوادر المنتظرة عقب إعلان رفع العقوبات الأمريكية عن سورية في شهر أيار الفائت، مما فتح المجال لتنهال سيل الإعلانات الحكومية عن توقيع مذكرات تفاهم استثمارية في قطاعات مختلفة مع جهات استثمارية دولية، وبقيمة تتجاوز 25 مليار دولار، مع مئات الآلاف من فرص العمل التي ستؤمنها هذه المشاريع الاستثمارية، ومنها:
- 400 ألف فرصة عمل أعلن عنها عبر مجموعة من مذكرات تفاهم مع تحالف دولي من الشركات للاستثمار في مجال الطاقة.
- آلاف فرص العمل سيوفرها عقد امتياز مع شركة CMACGM الفرنسية لإدارة ميناء اللاذقية.
- 14 ألف فرصة عمل ستوفرها مذكرة تفاهم مع شركة «المها الدولية» ومشروع «بوابة دمشق» كمدينة للإنتاج الإعلامي والفني والسياحي.
- آلاف فرص العمل ستؤمنها مذكرة تفاهم مع شركة «موانئ دبي العالمية» لتطوير ميناء طرطوس.
200 ألف فرصة عمل ستؤمنها 47 مذكرة تفاهم في ملتقى الاستثمار السوري السعودي في 11 قطاعاً أساسياً، ومن ضمنها مصنع «الفيحاء» للإسمنت الأبيض والذي وضع حجر الأساس له في مدينة عدرا الصناعية، بـ 130 فرصة عمل مباشرة و1000 فرصة غير مباشرة. - مئات الآلاف من فرص العمل عبر مذكرات تفاهم مع شركات دولية لتنفيذ 12 مشروعاً وأبرزها: مشروع تطوير مطار دمشق الدولي بـ 90 ألف فرصة عمل- مترو دمشق بنسبة تشغيلية 100% من الكوادر المحلية- مدينة أبراج دمشق بـ 200 ألف فرصة عمل- بوليفارد حمص السكني الترفيهي بـ 15 ألف فرصة عمل- كذلك مشروع أبراج ومول البرامكة، وتاج حلب السكني ووادي الجوز في حماة، كما «مرسى شمس» في اللاذقية.
- 1500 فرصة عمل سيوفرها مشروع «أولومبيك» كمجمع سياحي.
- كذلك مجموعة من المشاريع لوزارة السياحة على الكورنيش الجنوبي في اللاذقية، والحديث عن مئات فرص العمل التي ستوفرها.
- كما قدمت في الآونة الأخيرة 20 فرصة استثمارية للمستثمرين المحليين بمشاريع كالفنادق والمطاعم والمنتجعات، وأن كل مشروع سيوفر من 40-500 فرصة عمل.
للوهلة الأولى تبدو الأرقام الضخمة أعلاه واعدة، لكنها مجرد نوايا حتى تاريخه، فسرعان ما أدرك الشباب وهمَ تفاؤلهم بها، وعادوا للاصطدام بواقع سوق العمل الذي يراوح مكانه مع انعدام الفرص فيه!
الحكومة المهللة للسراب!
الحكومة هي المسؤول الأول والوحيد عن هذا التضخيم العددي وسط صخب إعلامي كبير، وبخطاباتها التي ربطت الاستثمارات الموعودة بتحسن المعيشة وبزيادة فرص العمل، رغم علمها بأن هذه المشاريع المرتبطة بمذكرات تفاهم قد تُنفذ أو لا تُنفذ، خاصة وسط غياب الالتزامات القانونية الواضحة والملزمة، لكنها مع ذلك كانت وما زالت تُصّر على الاستمرار بالتهليل وإطلاق الوعود بالمشاريع المليارية وبمئات الآلاف من فرص العمل على الورق، في وقت تعجز فيه عن تأمين فرصة عمل واحدة حقيقية!
البطالة ليست مجرد أرقام بل كارثة إنسانية
بناء على تقرير برنامج الأمم المتحدة لهذا العام «إن واحدا من كل أربعة في سورية عاطل عن العمل». كما أن نسبة البطالة تفوق 60%، بحسب تصريح لوزير الاقتصاد «محمد نضال الشعار» لموقع الجزيرة نت بتاريخ 7/8/2025.
وما زاد من معدلاتها في الآونة الأخيرة، فصل عدد كبير من العاملين في مؤسسات القطاع العام، تحت عنوان إعادة الهيكلة ومحاربة الفساد، على اعتبار أنهم فائض وأسماء وهمية، كذلك لجوء كثير من منشآت القطاع الخاص إلى تقليص عدد الموظفين أو الإغلاق لارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف القدرة الشرائية، في ظل حالة الركود التي تشهدها الأسواق.
فسوق العمل اليوم يعاني من خلل بنيوي كبير لا يقف عند هجرة الكفاءات والخبرات إلى البلدان التي وفرت لها فرص عمل أفضل، ولا إلى قلة جبهات العمل محلياً، بل الأخطر أن الباحث عن عمل اليوم يقبل بأي فرصة (إن توفرت) بعيداً عن مؤهلاته أو خبراته وتعليمه، وبأجر قليل مع غياب الضمانات، وذلك من أجل لقمة العيش فقط لا أكثر.
وهذه جميعها عوامل ساهمت في تفاقم أزمة البطالة وتعميقها وتشويهها، لتصبح تعبيراً صارخاً عن أحد أوجه الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون.
أين الحكومة من أداء دورها؟!
يبرز دور الحكومة كفاعل أساسي في معالجة أزمة البطالة لدورها المحوري في تخفيض معدلات البطالة وتوفير فرص العمل، حتى من دون الاعتماد الكبير على الاستثمارات الأجنبية أو الخاصة الضخمة، من خلال جملة من السياسات والإجراءات المباشرة، أهمها:
تفعيل القطاع العام عبر التوسع في التوظيف المباشر في المؤسسات الخدمية والإنتاجية، وإطلاق مشاريع أشغال عامة وصيانة للبنى التحتية تستوعب أعداداً كبيرة من العمالة.
دعم القطاع الزراعي بتأمين مستلزمات الفلاحين وتوسيع عمل التعاونيات وتشجيع الصناعات الغذائية المرتبطة به لخلق فرص عمل ريفية مستقرة.
إحياء القطاع الصناعي المحلي وخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة القادرة على تشغيل اليد العاملة وتلبية حاجات السوق الوطنية.
تعزيز التدريب المهني والتقني لإعادة تأهيل الشباب وربط مهاراتهم بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل.
توجيه السياسات الاقتصادية نحو الاعتماد على الموارد الوطنية وتخفيف التعويل على الاستثمارات الخارجية غير المضمونة أو المؤجلة.
فهل ستقوم الحكومة بدورها وواجبها كما يفترض، أم ستستمر بما هي عليه من تهليل وترويج للسراب؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241