كيف نُنهب لحظياً من قبل المتحكمين بالدولار وبسوق السلع؟!
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من توضيح علاقة أسعار السلع الأساسية بالليرة السورية وسعرها بدولار السوق السوداء.
فقبل سقوط السلطة السابقة بلغ سعر الصرف في السوق السوداء نحو 15,000 ل.س، وخلال النصف الأول من الشهر الحالي بلغ وسطي سعر الصرف نحو 9000 ل.س، وبالتالي فإن سعر الصرف انخفض بحدود 40% تقريباً في السوق السوداء.
بالمقابل كان سعر كيلو السكر المعبأ، كسلعة مستوردة، قبل سقوط السلطة السابقة بحدود 14,000 ل.س، وحالياً بلغ 9,000 ل.س، وعليه فإن سعر كيلو السكر المعبأ انخفض بنحو 35,7%.
وكمثال آخر عن سلعة من الإنتاج المحلي، كان سعر الجبنة البلدية نحو 45,000 ل.س وحالياً بلغ نحو 35,000 ل.س، وعليه فإن سعر كيلو الجبنة انخفض بحدود 22,2% تقريباً.
السعر التحوطي للسلع
بالمقارنة مع الأسعار الدولارية فإن سعر كيلو السكر بلغ نحو 0,9 دولار في الفترة الأولى، ونحو دولار واحد ضمن الفترة الثانية، أما بالنسبة لسعر كيلو الجبنة البلدية فبلغ نحو 3 دولارات ضمن الفترة الأولى ونحو 3,9 ضمن الفترة الثانية، على ذلك فإن أسعار السلع بالدولار ارتفعت بنسبة 11% للسكر، و30% للجبنة البلدية.
ويمكن استنتاج سعر الصرف المعتمد بالتسعير بشكل تقريبي من خلال افتراض ثبات سعر السلع بالدولار قبل سقوط السلطة الساقطة أي 0,9 دولار للسكر، و3 دولارات للجبنة البلدية، وعليه فإن سعر الصرف التقريبي المعتمد بتسعير السكر يساوي نحو 10,000 ل.س، وبالنسبة للجبنة البلدية يقدر سعر الدولار التقريبي المعتمد بنحو 11,700 ل.س، على ذلك فإن السعر الدولاري التحوّطي والمعتمد بالتسعير حالياً يزيد عن سعر الصرف الرائج بين 11% و30%، وهذا ضمن السلع المدروسة أعلاه كأمثلة فقط.
الاستنتاجات الأولية
إن انخفاض الأسعار بالليرة السورية بنسب تتراوح بين 22,2% و35,7% على السلع المستوردة أو المنتجة محلياً عائد بالدرجة الأولى وبجزء كبير منه إلى تبخر هوامش نهب حواجز الفرقة الرابعة والجبايات غير القانونية التي كانت تفرضها هذه الحواجز وغيرها على أي عملية أو نشاط اقتصادي، والتي تقدر وسطياً بنسبة 30% من أسعار السلع، وهذا الانخفاض الذي انعكس إيجاباً على أسعار السلع في السوق بالنسبة للمستهلك.
لكن مقابل ذلك ارتفعت أرباح كبار التجار والمستوردين من فوارق سعر الدولار التحوطي بنسبة 20% وسطياً، مع احتفاظهم بنسب أرباحهم السابقة!
مع العلم أنه كان من المفترض نظرياً أن تنخفض الأسعار بنسبة 30% وهي ما تمثله هوامش نهب الحواجز، بالإضافة إلى نسبة 40% وهي معدل انخفاض سعر الصرف، أي كان من المفترض أن تنخفض الأسعار بحدود 70%، لكن واقع الحال يقول إن الأسعار انخفضت بحدود 30% فقط، بينما تم تقاسم نسبة الـ40% الإضافية بين كبار التجار والمستوردين مع كبار المتحكمين بسوق الصرف!
الاستنتاج النهائي تراجع القدرة الشرائية ومزيد من تدهور الواقع المعيشي!
إن غالبية الناس تتعرض لسرقة مباشرة وعلنية بشكل فاضح، فنتيجة لضعف الأجور وعدم صرف الرواتب وبذريعة حبس الليرة وغيرها من الأسباب الكثيرة، يضطر الناس لتصريف مدخراتهم الدولارية، أو تحويلات المساعدات القادمة من الخارج، بالسوق السوداء، وبسعر وسطي خلال الأيام الماضية بلغ 9,000 ل.س، في حين أن سعر الصرف الرسمي المحدد بالمركزي يبلغ 13,000 ل.س، وبالتالي فالخسارة الأولى النهبوية لمجرد تحويل الدولار إلى الليرة تبلغ نحو 30,8% تقريباً!
والخسارة الثانية تتم عند كل عملية استهلاك تلبية للاحتياجات الضرورية، فالسلع تسعر بدولار أعلى من السوق السوداء بنسب تتراوح بين 11% و30% تقريباً، وبنسبة زيادة وسطية تقدر بحدود 20%، والنتيجة خسارة نهبوية مركبة لا تقل عن 50%.
وهذه الخسارة المركبة يمكن تلخيصها بالقدرة الشرائية لمدخرات الناس، فبملغ 100 دولار في الفترة الأولى كانت تساوي 1,500,000 ل.س، وتعادل بالسلع المختارة 107 كغ سكر، أو 33,3 كغ جبنة بلدية، أما ضمن الفترة الثانية فبملغ 100 دولار بالسعر الوسطي يساوي 900,000 ل.س، وهي تعادل 100 كغ سكر أو 25,7 كغ جبنة، ما يعني أن القدرة الشرائية للسوريين انخفضت عملياً نتيجة لإجرام كبار تجار الدولار، ونتيجة لشجع كبار تجار السلع، بنسب تتراوح بين 6,5% و24% تقريباً، ووسطياً بنسبة لا تقل عن 15%!
فعلى الرغم من الانخفاض السعري في سوق السلع بنسبة 30%، فإن القدرة الشرائية انخفضت بنسبة لا تقل عن 15%، ما يعني أن هامش النهب المركب تجاوز نسبة 45%، ذهبت على شكل أرباح استغلالية في جيوب تجار الدولار والسلع!
النسب أعلاه تبين بوضوح أن الواقع المعيشي للغالبية من السوريين ازداد تدهوراً، ما يعني أن معدلات الفقر والعوز والجوع ارتفعت عما كانت عليه بأشواط، مقابل زيادة في مستويات الاستغلال بسبب الاستمرار بسياسات تحرير سوق السلع، والمضاربات بسعر الصرف، بالتوازي مع غيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214