إلغاء المؤسسة العامة للتجارة الخارجية... تداعيات اقتصادية وسلبيات متوقعة
في خطوة مفاجئة، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً بإلغاء المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، وهي مؤسسة عامة كانت تلعب دوراً محورياً في تأمين احتياجات البلاد من السلع الأساسية خلال العقود الماضية، مثل القمح والأعلاف والأسمدة والأدوية والسكر والرز وغيرها، وقد بدأ يتقلص ويتشوه دورها مع تبني السلطة الساقطة لسياسات الانفتاح الاقتصادي وتفشي النهب والفساد وتغوله في بنية جهاز الدولة، ثم توقف هذا الدور خلال سنوات الحرب والأزمة.
وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً حول آثاره السلبية المحتملة على الاقتصاد السوري، خاصة فيما يتعلق بتأمين المشتريات الضرورية، ودور القطاع الخاص في سد الفجوة الناجمة عن غياب دور المؤسسة.
سلبيات القرار على تأمين المشتريات الأساسية
السلبية الأولى ستتمثل بارتفاع الأسعار نتيجة احتكار القطاع الخاص، فمع انتقال مهام استيراد وتأمين السلع إلى القطاع الخاص، ستبرز مخاوف حقيقية ومشروعة من نشوء احتكارات تجارية تتحكم بالأسعار، خاصة في ظل غياب الرقابة الصارمة. فالمؤسسة العامة للتجارة الخارجية من المفترض أن تعمل على توفير هذه السلع بأسعار مدعومة أو قريبة من التكلفة، في حين أن القطاع الخاص سيسعى لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
السلبية الثانية ستظهر على شكل تراجع وضعف القدرة على تأمين الاحتياجات الاستراتيجية، فمن واجبات المؤسسة الافتراضية العمل على شراء القمح والأعلاف والأدوية وغيرها من الأساسيات بموجب عقود حكومية، تضمن توريدها بشكل مستمر، حتى في الأوقات الصعبة. أما مع نقل هذه المسؤولية إلى القطاع الخاص، فسيصبح تأمين هذه المواد رهناً بتقلبات السوق، والأوضاع الاقتصادية، والعقوبات، والتقلبات في أسعار الصرف، مما سيؤدي إلى تأخير في الاستيراد أو تقليص في حجم الإمدادات.
السلبية الثالثة، سيتم حصادها من خلال نقص المواد الأساسية نتيجة المضاربات والاحتكار، فمن المعروف أن بعض التجار يلجؤون إلى تخزين السلع الأساسية بهدف رفع أسعارها لاحقاً، خاصة في ظل تراجع دور الدولة في الرقابة المباشرة. ومع إلغاء دور المؤسسة، ستصبح السوق أكثر عرdضة للمضاربات، مما يؤدي إلى أزمات دورية في توافر القمح والأدوية والأعلاف، وغيرها من الأساسيات، كمواد وسلع حيوية للحياة اليومية، وللقطاع الزراعي والصحي، وبقيّة القطاعات الاقتصادية الهامة الأخرى.
بعض السلبيات الاقتصادية العامة
السلبية الأولى هي فقدان الدور الحكومي في ضبط السوق، فالمؤسسة العامة للتجارة الخارجية بحسب مهامها المفترضة تلعب دوراً مهماً في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، مما يساهم في استقرار الأسعار. أما الآن، ومع انسحاب الحكومة من هذا المجال، ستعتمد السوق على القطاع الخاص فقط، والذي لن يكون قادراً على تحقيق هذا التوازن بالفعالية نفسها، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي.
السلبية الثانية هي التأثير السلبي المباشر على المزارعين والقطاع الزراعي، فتأمين الأعلاف والأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج الزراعي بأسعار مناسبة كان يساعد المزارعين في الحفاظ على الإنتاج المحلي. ومع تحرير السوق سيواجه المزارعون صعوبة في الحصول على مستلزماتهم الأساسية بأسعار مناسبة، مما سيدفع الكثيرين إلى تقليص الإنتاج الزراعي، أو التوجه إلى زراعات أقل تكلفة وأقل إنتاجية، ما ينعكس سلباً على الأمن الغذائي.
السلبية الثالثة والأخطر هي تراجع قدرة الدولة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، في الأزمات تلجأ الدول إلى التدخل المباشر في السوق عبر مؤسساتها الحكومية لتأمين المواد الأساسية وضبط الأسعار. ولكن مع إلغاء هذه المؤسسة، تفقد الدولة إحدى أهم أدواتها في التعامل مع التقلبات الاقتصادية، ما يزيد من حدة الأزمات، خاصة في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية.
السلبية الأخيرة التي لا تقل سوءاً عن كل ما سبقها هي فقدان العديد من الوظائف الحكومية، فإلغاء المؤسسة يعني تسريح عدد كبير من العاملين فيها، مما يفاقم مشكلة البطالة، خاصة وأن بدائل فرص العمل في القطاع الخاص ليست متاحة، ناهيك عن كونها غير مستقرة وبشروط استغلالية ومجحفة.
إعادة الهيكلة ضرورة بدلاً من الإلغاء
بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية المعقدة التي تمر بها سورية حالياً، فإن إلغاء المؤسسة العامة للتجارة الخارجية هو قرار يحمل بطياته تداعيات سلبية كثيرة على المديين القصير والطويل. وفي ظل ضعف الرقابة على القطاع الخاص، فإن هذا التحول سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة الاحتكار، وتراجع قدرة الدولة على تأمين الاحتياجات الأساسية.
لذا يبقى السؤال الأهم: هل هناك بدائل أكثر حكمة من إنهاء المؤسسة ودورها؟
تبدو الإجابة بسيطة جداً، فإعادة هيكلة المؤسسة، لاستعادة دورها الهام المفترض بعيداً عن أوجه النهب والفساد، ربما هي الضرورة بهذه المرحلة بدلاً من إلغائها بالكامل!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1212