الخصخصة هي الخصخصة مهما تغير شكلها ومتبنيها!
كانت أهداف السلطة الساقطة الوصول إلى الخصخصة الشاملة والكلية لمختلف الشركات والقطاعات العامة، بالإضافة إلى أملاك الدولة الخاصة وجهاتها العامة.
برز وبدأ هذا التوجه بشكل واضح وفج عملياً من خلال سياسات الانفتاح الاقتصادي في عام 2005 مع تبني الخطة الخمسية العاشرة للفترة 2006–2010، والتي كان من أبرز أهدافها تحويل الملكية العامة ونقلها إلى القطاع الخاص، سواء بالبيع أو الاستثمار أو التأجير، وسياسات الانفتاح وتحرير الأسعار، وإبعاد الدولة عن دورها الاجتماعي عبر تبني سياسات تخفيض الإنفاق العام والدعم وتجميد الأجور، وذلك تماشياً وانسجاماً مع وصفات صندوق النقد الدولي وتنفيذاً حرفياً لها، ما أدى إلى تعميق الأزمة المعيشية لعموم السوريين، ومهّد لانفجار الأزمة في عام 2011، ومع ذلك استمرت السلطة الساقطة بنفس النهج الاقتصادي التدميري، مع جرعات إضافية أكثر شذوذاً وتوحشاً، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى وصلت مؤشرات الاقتصاد الوطني إلى انهيار غير مسبوق!
وقد أعلنت حكومة تصريف الأعمال الحالية عن تبنيها لسياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة، ما يعني أنها ستستكمل ما لم تنهه الحكومة الساقطة من مهام على المستوى الاقتصادي، بغض النظر عن كل النتائج السلبية لذلك، بل ودون الاستفادة من التجربة الفاشلة للسلطة الساقطة بهذا المجال، والتي ساهمت مع غيرها من الأسباب بنهايتها عملياً!
ماذا تعني الخصخصة؟
يتمتع القطاع العام بدور أساسي «افتراضاً» يتمثل في ملكية المجتمع لمؤسساته وشركاته عبر الدولة، بما يساهم ويضمن توزيع عادل للثروة والخدمات للمواطنين بشكل نسبي، مما يعزز مستوى المعيشة ويحسنها.
أما الخصخصة فتعني تحويل الملكية العامة إلى ملكيات خاصة، مما يتيح لشخص أو شركة الاستفادة منها بدلاً من المجتمع ككل.
الفرق الجوهري بين القطاعين (العام والخاص) هو في الدور الاجتماعي، ففي القطاع العام يعتبر الربح وسيلة لتحقيق النمو والتطور، الذي ينعكس على المجتمع ككل، وهو ما يبرر دوره وضرورته الوطنية، بينما في القطاع الخاص، يعتبر الربح الهدف الرئيسي، وأي دور اجتماعي يعتبر ثانوياً، بل ويتم استثماره في سبيل تعزيز الربحية ومراكمة الثروة الخاصة.
الخصخصة والحقوق الأساسية!
لا شك بأن دور القطاع الخاص في النمو والتنمية هام وضروري، خاصة إذا ما كانت منشآته تنشط بالصناعات الوطنية التي تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وفي الميزان التجاري عبر صادراتها، إضافة إلى استيعابها عدد كبير من القوى العاملة، وغيرها من المساهمات الهامة في الاقتصاد، إلا أن هناك قطاعات أساسية لا يجب أن تخضع لقوانين السوق والغاية الربحية للقطاع الخاص، ويجب أن تبقى بيد الدولة لتديرها، أو يكون لها الدور الأعلى بما يخدم مصالح المواطنين ويضمن حقوقهم، ومن هذه القطاعات مثلاً (التعليم- الصحة- الطاقة- الاتصالات... إلخ) التي تمثل جزءاً من الحقوق الأساسية لكل المواطنين، وبالتالي فإن خصخصتها وتحويلها من دورها المجتمعي العام لمصلحة الربح الخاص سيساهم بدرجة كبيرة بحرمان الفقراء منها، لتصبح حكراً على الأثرياء، ما يكرس التفاوت الطبقي ويزيد من حال الاستياء والاحتقان!
الجمر تحت الرماد
مع تكرار الحديث عن الخصخصة والتحرير الاقتصادي على لسان أركان حكومة تصريف الأعمال الحالية، وبغض النظر عن تجاوزها لمهامها ودورها المفترض بهذا المجال، تجدر الإشارة والتنويه والتنبيه بأن استكمال مسيرة السلطة السابقة بهذا الشأن لا يعني أن الخصخصة على أيدي حكومة تصريف الأعمال ستكون مختلفة عن الخصخصة على أيدي السلطة السابقة، فالجوهر واحد، وكذلك كل النتائج المترتبة على تبني سياسات السوق والسوء والتي أدت بالنتيجة إلى سقوط من سقط!
فالجمر ما زال تحت الرماد، واستمرار السير بالسياسات الاقتصادية الظالمة نفسها للسلطة الساقطة لن يكون إلا تأجيجاً لتسعير لهيب النار مجدداً!
فالسوريون الذين اكتووا طيلة العقود الماضية من سياسات الإقصاء والنهب والاستغلال والاستبداد، وبعد أن دفعوا ضريبة الخلاص من السلطة الساقطة، دماً وتشرداً ونزوحاً ولجوءاً وفقراً وجوعاً، لن يصمتوا أمام من يريد ان يضغط عليهم للاستمرار في دفع هذه الضريبة مجدداً، أياً كان!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1207