الكهرباء أزمة تتفاقم وتأثيرات تمتد...
سارة حبيب سارة حبيب

الكهرباء أزمة تتفاقم وتأثيرات تمتد...

في ظل الظروف الحالية المعقدة التي يعيشها السوريون، يبدو أن هناك معضلة جديدة أُضيفت إلى قائمة همومهم المتراكمة، تمثلت بزيادة انقطاع التيار الكهربائي المتكرّر والمتفاقم، والذي لم يعد مجرد انقطاع مؤقت، بل أصبح واقعاً مراً معاش يومياً، خاصة بعد أن تحولت الكهرباء إلى مشكلة مُعقدة تتجاوز حدود الاستياء اليومي، لتُشكل تهديداً حقيقياً لجميع مناحي الحياة، ولتصبح واقعاً مُراً يُعاني منه الجميع، من المدن الكبرى إلى أصغر القرى.

فحتى الحلول البديلة، كالبطاريات وألواح الطاقة الشمسية، لم تعد قادرة على توفير الطاقة الكافية، مُفاقمةً بذلك معاناة المواطنين.
ولا نبالغ إن قلنا: إن الحياة اليومية أصبحت معركة شاقة للبقاء، ابتداءً من الرغبة بالاستحمام، وصولاً إلى أبواب المعامل والورشات والمهن الكثيرة التي توقفت بشكل شبه تام.
فالمصانع تتوقف عن الإنتاج، والمحال التجارية تغلق أبوابها، والخدمات الأساسية تتأثر بشكل كبير، حتى التعليم والرعاية الصحية، وهما ركيزتان أساسيتان للمجتمع، تتأثران بشكل مباشر بانقطاع الكهرباء.

معاناة مزدوجة... المواطن تحت وطأة الظلام

مع تدهور وضع الكهرباء، لم تعد البدائل المتاحة كافية لتخفيف الأزمة، فالبطاريات المستخدمة لتشغيل الأجهزة المنزلية كالجوالات والراوترات توقفت عن الشحن، وأصبحت ألواح الطاقة الشمسية التي كانت حلاً مقبولاً في الماضي عاجزة عن تلبية الطلب بسبب قلة ساعات الإشعاع الشمسي.
أمام هذا الوضع، يواجه المواطن أياماً مرهقة ومليئة بالتحديات في ظل غياب وسائل الاتصال والإضاءة، وتوقف الأدوات الكهربائية المنزلية عن العمل.
في ظل هذا الواقع، ازداد الاعتماد على المولدات الكهربائية، التي عادت إلى الواجهة وبقوة، كشريان حياة هشّ، لكن أسعار المشتقات النفطية ارتفعت بشكل جنوني، مُقاسة بالدولار، ما زاد من معاناة المواطنين.
لم يعد الأمر يقتصر على ارتفاع أسعار الكهرباء من المولدات، بل امتد إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات جميعها، مُشكّلاً حلقة مُفرغة من ارتفاع الأسعار المُقاسةً هي الأخرى بالدولار.
لقد أصبح سوء الكهرباء كابوساً يلاحق المواطن المُفقر في كل مكان، في منزله الذي يغرق في الظلام، وفي السوق الذي يستنزف جيوبه، ومُحاصراً بين فكي كماشة ضاغطة. 
فلم يعد الأمر مجرد انقطاع كهرباء، بل انهيار شامل في البنية التحتية، وانعكاس مباشر على مناحي الحياة جميعها، التي باتت أشبه بفيلم رعب صامت، حيث الظلام هو البطل الرئيسي فيه.

تعطل الأعمال والمهن

لم يكن تأثير أزمة الكهرباء محصوراً بالمنازل فقط، بل تجاوز ذلك ليضرب القطاعات الحرفية والمهنية بشدة، خاصة في المناطق التي لا تتوفر فيها خدمات الأمبيرات.
فقد توقفت ورش العمل عن الإنتاج والمحال التجارية عن العمل، مما أدى إلى فقدان العديد من المواطنين لمصادر دخلهم، وزيادة معدلات البطالة من جهة وفقر المواطن من الجهة الثانية.
أعمال كثيرة توقفت، وحرف قديمة شارفت على الاندثار، خاصة في المناطق التي لا تصلها شبكات المولدات الكهربائية. أما المناطق التي تعتمد على المولدات، فقد تحوّلت إلى ساحة معركة اقتصادية جديدة.

أزمة اقتصادية وإنسانية

غياب الكهرباء ليس مجرد مشكلة تقنية، أو أزمة توريدات كما صدرتها لنا السلطة البائدة، وكما تصدرها لنا الحكومة المؤقتة، مع الوعود التي نقدرها ونتمنى أن تتحقق عاجلاً، بل هي أزمة إنسانية واقتصادية خانقة، يُفترض أن تُعالج بشكل عاجل وجاد وكامل ومستدام، فحتى الحديث عن الربط الشبكي مع تركيا أو الأردن، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه غير كافٍ، وسيبقينا تحت وطأة العجز المُسيس، مع تكاليفه الدولارية المرتفعة أيضاً!
فلا يمكن أن تستمر الحياة في ظل هذا الظلام الدامس الذي يلقي بثقله على شرائح المجتمع جميعها وعلى قطاعاته كاملة، بل يُفترض تجاوز ذلك عبر حلول مستدامة تتجاوز الحلول المؤقتة كالمولدات والأمبيرات، وذلك عبر إصلاح البنية التحتية لشبكات الكهرباء، وتأهيل محطات التوليد كلها لتعمل بطاقتها الكاملة، بالتوازي مع ضمان عدالة توزيع الموارد، والتخفيف من اعتماد المواطنين على بدائل باهظة التكاليف، فبدون ذلك ستستمر معاناة الناس وتتعمق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1207