سرعة تنفيذ مشروع نفق وعقدة المواساة الاستثناء الذي يثبت القاعدة!
تم وضع مشروع نفق وعقدة المواساة بالخدمة بتاريخ 27/4/2024، مع العلم أن المباشرة فيه تمت في شهر أيار 2023، وبحسب رئيس الحكومة عند افتتاحه المشروع أنه «أول مشروع يوضع في الخدمة قبل مدته الزمنية بخمسة أشهر»!
حديث رئيس الحكومة أعلاه، بالإضافة إلى اعترافه بعدم وجود مشاريع نفذت بأقل من المدة الزمنية المخطط لها سابقاً، ربما يفتح بوابات التساؤل حول أسباب عدم التمكن من إنجاز بقية المشاريع بالسرعة التي نفذ بها مشروع نفق وعقدة المواساة؟!
أما السؤال الأهم فهو هل يمكن تعميم هذه السرعة في الإنجاز على المشاريع الحكومية الحالية والقادمة؟!
مشروع خدمي كبير والمنفذ جهة عامة!
لا شك أن إنجاز المشروع، ضمن مدة زمنية لم تتجاوز العام، يعتبر إنجازاً يسجل للجهات العامة في ظروفنا الحالية، وخاصة مع الذرائع الكثيرة التي تبرر التقاعس والإهمال في بعض المهام والمسؤوليات عادة، أو تغطي عدم الجدية بتبني تنفيذ بعض المشاريع، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالتكاليف والاعتمادات وغيرها!
فمحافظة دمشق كانت صاحبة المشروع، أما الجهة المنفذة فكانت مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية، ومفردات التنفيذ شملت إنشاء نفق يمتد من عقدة الربوة وحتى عقدة 17 نيسان بإجمالي طول 525 متراً يتضمن مقطعين مغلقين، الأول أسفل تقاطع مشفى الأطفال، والثاني أسفل ساحة المواساة، وحارتين مروريتين في كل اتجاه داخل النفق، وثلاث حارات مروريات في أعلاه بكل اتجاه، بالإضافة إلى تنفيذ عبارات لفروع نهر بردى ورفع مصبات الصرف الصحي عن مجرى النهر، وإعادة تأهيل البنى التحتية وتحديثها وتنفيذ خط مياه. وتضمن المشروع كذلك توسيع الطريق المتجه من دوار المواساة إلى أوتوستراد المزة والطريق المتجه من نفق 17 نيسان إلى دوار المواساة، وتنفيذ أرصفة لجميع الطرق المحيطة بالمشروع وزراعتها بالأشجار، إضافة إلى إعادة توزيع الحارات المرورية لطريق الشيخ سعد بزيادة عرض الحارات المرورية للطريق الصاعد من دوار المواساة، وتنفيذ دوار من تقاطع طريق الشيخ سعد مع طريق مشفى المواساة الخيري وإعادة تأهيل المنصف، وتركيب أعمدة إنارة من حدود النفق وحتى مفرق مشفى المواساة الخيري، إضافة إلى تنفيذ مدخل خلف مشفى الأطفال لزوار المرضى ومرافقيهم وتجهيز ساحة لتكون استراحة ومكاناً لجلوس الزوار ومرافقي المرضى، وتنفيذ مرآب للسيارات على الزاوية الجنوبية من طريق الشيخ سعد يتسع لنحو 120 سيارة مع زراعة أشجار حوله، وإنشاء دوار في ساحة المواساة لتوجيه الحركة المرورية بالموقع، وتجهيز حديقتين الأولى بالقرب من دوار المواساة والثانية جانب الطريق المتجه إلى الأوتوستراد.
ولعله من المفروغ منه أن هذا الإنجاز، المسجل باسم المحافظة وبتنفيذ مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية، تم من خلال تعاون الكثير من الجهات العامة الأخرى، اعتباراً من مديريات محافظة دمشق المختلفة، مروراً ببعض الجهات الحكومية ووزاراتها، وانتهاء بالحكومة مجتمعة!
فالمشروع كما هو مبين أعلاه كبير وضخم، ومع ذلك لم يستنفذ المدة المخطط لها بالتنفيذ، بل قلصها!
وبغض النظر عن التكلفة التقديرية للمشروع التي كانت 27 مليار ليرة في عام 2022، ووصلت إلى 70 مليار ليرة في عام 2024، بما لها وما عليها، وبغض النظر عما قيل بأن المشروع أخذ بعين الاعتبار مصالح النخبة الثرية المستفيدة من مشروعي باسيليا وماروتا سيتي، فجزء من البنية التحتية للمشروع تخدم مباشرة تلك المشاريع النخبوية، فقد كان واضحاً أن هناك الكثير من المرونة الرسمية في التعاطي مع المشروع على غير العادة، بما في ذلك تغطية فارق التكلفة أعلاه!
فمشروع نفق وعقدة المواساة، بضخامته وتكلفته وسرعة إنجازه- والأهم أنه نفذ بشكل كامل من قبل الجهات العامة- يوضح تماماً أنه عند توفر القرار الرسمي لتنفيذ أي مشروع، والجدية الكافية فيه على مستوى المتابعة، يتم تذليل الصعوبات والمعيقات أمامه كافة مهما كانت!
الاستثناء والقاعدة وأمثلة كثيرة مغايرة تفقأ العين!
ربما تكفي الإشارة مثلاً إلى موضوع المخططات التنظيمية والتأخر المزمن فيها!
فمحافظة دمشق، التي سجل باسمها تنفيذ مشروع نفق وعقدة المواساة بزمن قياسي، هي نفسها المتأخرة بإنجاز المخطط التنظيمي لحي القابون السكني، وغيره من المخططات التنظيمية لمناطق أخرى في المحافظة!
ففي تاريخ 23/4/2024 عقد اجتماع عمل برئاسة محافظ دمشق المهندس محمد طارق كريشاتي تم خلاله مناقشه آلية استكمال دراسة المصور التنظيمي التفصيلي رقم 105 المتعلق بمنطقة القابون السكني ودراسة المصور التنظيمي رقم 59 المتعلق بمنطقة المزة خلف السكن الشعبي.
مع العلم أن الإعلان عن البدء بدراسة المخططات المذكورة كان في عام 2020، ومع ذلك ما زالت هذه المخططات قيد الدراسة ولم تستكمل حتى تاريخه!
وقس على ذلك على مستوى المشاريع المعلن عنها كافة، كمخططات على الورق بعهدة الحكومة وجهاتها العامة ولم توضع في التنفيذ، أو وضعت في التنفيذ لكنها تجاوزت آجالها الزمنية المخططة!
ولعل مشاريع المؤسسة العامة للإسكان دليل آخر على ما سبق، فغالبية مشاريعها السكنية تجاوزت أجالها الزمنية المخططة بأعوام، بل وبعقود، ومع ذلك فهي تُحمِّل المكتتبين لديها مسؤولية تقاعسها عن عدم التنفيذ، وبتغطية حكومية ورسمية لذلك التقاعس، بعيداً عن المحاسبة والمساءلة!
فهل نتحدث عن منطقة خلف الرازي والسكن البديل، أو عن مشروع مجمع يلبغا التاريخي والمزمن، أو عن منطقة كيوان أو مدينة المعارض القديمة أو... وذلك في محافظة دمشق وحدها، ومثلها الكثير من الأمثلة الشبيهة في بقية المحافظات؟!
أو هل نتحدث عن مشاريع إعادة تأهيل المعامل والمنشآت الصناعية العامة، وخاصة المدمرة جزئياً، أو عن إعادة تأهيل المحطات الكهربائية ووضعها بالخدمة، أو عن المشاريع المائية والزراعية و...؟!
فمشروع نفق وعقدة المواساة يبدو أنه هو الاستثناء، بما يخص المشاريع الحكومية كافة على مستوى التنفيذ والسرعة والمرونة والتسهيلات، الذي يثبت القاعدة التي تقول إنه بغياب القرار الرسمي والجدية فيه فلا مشاريع ولا من يحزنون!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1172