خطط محصول القمح تستمر بالتراجع!
يجري الحديث الرسمي كل عام عن زيادة المساحات المخططة للإنتاج الزراعي، وخاصة لمحصول القمح على اعتباره من المحاصيل الإستراتيجية الهامة المرتبطة بالأمن الغذائي للمواطنين، بينما في واقع الحال يتم تسجيل المزيد من التراجع بهذا الإنتاج موسماً بعد آخر!
فبحسب الموقع الرسمي للحكومة فقد وافق مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية بتاريخ 5/9/2023 على الخطة الإنتاجية الزراعية لموسم 2023-2024، والتي تضمنت استثمار المساحات القابلة للإنتاج الزراعي بكل أصنافه وزيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، والاعتماد على الإمكانات المحلية لتوفير مستلزمات الإنتاج.
فهل تضمنت الخطة زيادة فعلية بالمساحات المخصصة لمحصول القمح للموسم القادم بالمقارنة مع الموسم السابق؟!
تفاصيل رقمية!
في التفاصيل بما يخص محصول القمح، بحسب صفحة الإعلام الزراعي بتاريخ 7/9/2023، فقد كانت المساحات المخطط زراعتها لمحصول القمح المروي والبعل بحسب الخطة الإنتاجية الزراعية للموسم الزراعي 2023-2024 والتي تم اعتمادها بجلسة مجلس الوزراء تبلغ 1,493,309هكتار، منها 536,838 هكتار في المناطق الآمنة.
وتجدر الإشارة بالمقابل أن خطة الموسم الزراعي 2022-2023 بالنسبة لمحصول القمح كانت بمساحة تبلغ 1,519,865 هكتاراً، منها 872,407 هكتارات بعلاً و647,458 هكتاراً مروياً.
وبالواقع التنفيذي الفعلي، بحسب حديث رئيس الاتحاد العام للفلاحين خلال لقاء إذاعي عبر ميلودي إف إم بتاريخ 9/3/2033 أن «المساحات التي تمت زراعتها من القمح هذا العام تقدر بـ 1 مليون هكتار، وهي أقل من العام الماضي بنسبة 20%، بسبب صعوبات عملية الترخيص، وتوجه الفلاحين لزراعة محاصيل أخرى»!
وليتبين من الأرقام أعلاه أن المساحة المخططة للموسم القادم 2023-2024 فيها تراجع عن المساحة المخططة في الموسم السابق 2022-2023 بمقدار 26,665 هكتاراً فقط، ولا ندري كيف ستكون على المستوى الفعلي!
ما يعني أن الحديث الحكومي عن «زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية، وفي مقدمتها القمح» هو حديث خلبي، بدليل تراجع الأرقام التخطيطية بحسب ما هو مبين أعلاه، مع تراجع في المساحات المنفذة فعلياً موسماً بعد آخر!
يضاف إلى ذلك أن مساحة 956,471 هكتار، من إجمالي المساحة المخططة لموسم 2023-2024 هي في المناطق غير الآمنة، وتشكل نسبة تتجاوز 60% من الخطة، ما يعني عدم ضمان استلام كامل انتاجها بنهاية الموسم!
على ذلك فإن الخطة لموسم 2023-2024 بما يخص محصول القمح الإستراتيجي فيها تراجع على مستوى المساحة المخططة عن الموسم السابق، وتحمل ضمناً إمكانية خسارة أكثر من 60% من إجمالي إنتاج هذا الموسم!
وما يعزز من احتمال تسجيل المزيد من التراجع بالموسم القادم هو الحديث الرسمي عن توفير مستلزمات الإنتاج بالاعتماد على الإمكانات المحلية، وما يزيد من هذه الاحتمالية هي سياسات التسعير المعتمدة للمحصول بنهاية كل موسم، والتي لا تغطي تكاليف الإنتاج، ما يعني استمرار تسجيل الخسارات على حساب المزارعين موسماً بعد آخر!
مستلزمات الإنتاج والتسعير!
المشكلة بما يخص محصول القمح، وغيره من المحاصيل الإستراتيجية الأخرى، كانت وما زالت تتمثل بنقطتين رئيسيتين، الأولى مرتبطة بتأمين مستلزمات الإنتاج، والثانية بالتسعير!
فالحكومة تتنصل من مسؤولياتها بما يخص تأمين مستلزمات الإنتاج بذريعة الإمكانات المتاحة، وبالتوافق مع سياسات تخفيض الدعم على هذه المستلزمات تباعاً، تاركة المزارعين تحت رحمة السوق وتجاره لتأمينها، ووفقاً للأسعار الاستغلالية المتحكم بها من قبلهم، ما يعني زيادة التكاليف والأعباء عليهم!
مقابل ذلك تعمد الحكومة على تسعير المحاصيل وفقاً لحسابات تكلفتها غير المجزية، وليس وفقاً لحسابات التكلفة التي يتكبدها المزارعون فعلاً، الامر الذي يفرض عليهم استبدال المحاصيل الإستراتيجية بمحاصيل ذات جدوى اقتصادية بالنسبة إليهم، أو ترك الزراعة وهجرة الأرض، ما يعني المزيد من تراجع إنتاج هذه المحاصيل، وهو ما يجري عاماً بعد آخر!
يضاف إلى ذلك بما يخص المحصول في المناطق خارج سيطرة الدولة عامل المنافسة السعرية لاستلامه، بين السعر الحكومي الرسمي والسعر الذي تقره «الإدارة الذاتية»، الأمر الذي يدفع المزارعين للبحث عن السعر الأعلى لبيع محصولهم، وهو ما يجري كل موسم، بسبب نمط التسعير الحكومي غير المجزي والنابذ لاستلام المحاصيل من المزارعين!
على ذلك فإن الاستمرار بنمط تسعير المحصول غير المجزي للفلاحين بهذا الشكل يعني أن نسبة 60% من المساحات المخططة للموسم القادم خارج سيطرة الدولة لن يكون محصولها مضموناً في حسابات بيدر الحكومة!
التضحية بالمحصول وبالأمن الغذائي!
لم يعد يخفى على أحد أن هناك مستفيدين يحصدون الأرباح الكبيرة والسهلة بنتيجة تراجع الإنتاج عموماً، ومن عدم استلام كامل المحصول من قبل السورية للحبوب كما هو مفترض، وتساعدهم الحكومة بذلك من خلال استمرارها بسياسات تخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج وبالسياسات التسعيرية للمحصول، بالإضافة إلى تقليص المساحات المخططة والمنفذة عاماً بعد آخر!
فاحتياجات القمح السنوية لصناعة رغيف الخبز يتم تغطيتها من كم المحاصيل التي تستلمها السورية للحبوب من المزارعين، والفارق يتم تغطيته من خلال عمليات الاستيراد التي ينتفع بها بعض المحظيين من كبار أصحاب الأرباح!
ومن المفروغ منه أن من مصلحة هؤلاء المنتفعين «نهباً وفساداً واستغلالاً وتربحاً» أن تتقلص الكميات المسلمة للسورية لحبوب عاماً بعد آخر كي ترتفع فاتورة الاستيراد، وبالتالي تزيد حصتهم من الأرباح السهلة والسريعة والمضمونة، والتي تضاف إليها هوامش ربحية إضافية بذريعة العقوبات والحصار، ولا مانع لدى هؤلاء من التضحية بالمحصول كلياً، بل ويضغطون للوصول لهذه النتيجة، ولو كان ذلك على حساب المزارعين والاقتصاد الوطني والأمن الغذائي!
فكبار حيتان النهب والفساد، المتحكمون باقتصاد البلاد، والمحميون بالسياسات الرسمية جملة وتفصيلاً وعلى طول الخط، لا يسعون إلى تقويض إنتاج محصول القمح فقط، بل كل الإنتاج الزراعي والصناعي، العام والخاص!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1139