ارتفاع سعر الإسمنت ومسؤولية الحكومة عن حوامل الطاقة وأسعارها!
صدر قرار عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 31/5/2023 يتضمن زيادة على أسعار الإسمنت (المعبأ والفرط) بمختلف أنواعه ومواصفاته ومسمياته، وبنسبة زيادة سعرية وسطية على كل منها تقدر بـ75%.
الزيادة السعرية الجديدة بحسب القرار أتت استناداً إلى موافقة الحكومة على توصية اللجنة الاقتصادية، وبناء على كتاب من وزارة الصناعة.
وبحسب بعض الرسميين المعنيين بقطاع الإسمنت فإن السبب الرئيسي للزيادة السعرية هي الارتفاعات التي طرأت على أسعار المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية!
فما هي النتائج المترتبة على الزيادات السعرية المستمرة ارتفاعاً ودون توقف؟!
أضرار ومتضررون!
من المفروغ منه أن الزيادة السعرية الجديدة على الأسمنت ستؤثر بشكل مباشر على تكاليف كل مواد البناء التي يعتبر الإسمنت مُدخلاً رئيسياً فيها، وبنسب متقاربة، كإنشاءات وأبنية جديدة، أو عمليات إعادة التأهيل والترميم، أو عمليات الإكساء، بما في ذلك طبعاً أسعار البلاط والسيراميك والبلوك، والأعمال المصاحبة لها، وكل ذلك سيؤثر بالنتيجة على سوق العقارات (النظامية والمخالفة)، وبالتالي على زيادة أسعارها، في الوقت الذي تعاني فيه هذه السوق من الركود أصلاً!
وهذه النتيجة حتمية بغض النظر عن دور المتحكمين في هذه السوق، مقاولين وتجار وسماسرة، ونسبهم المحفوظة كهوامش ربح إضافية مضمونة لقاء كل عملية بيع وشراء، والتي يتم تحصيلها من جيوب المواطنين، طويلي العمر القادرين على شراء العقارات بأسعارها المرتفعة، وبهذه الظروف الاقتصادية السيئة عموماً!
أما المتضرر الأكبر فهم المواطنون المضطرون لإعادة تأهيل منازلهم أو ترميمها كي يتمكنوا من السكن فيها مجدداً، وهؤلاء بغالبيتهم من المفقرين المرهقين بالزيادات السعرية على حساب معاشهم وخدماتهم سلفاً، ونسبة هؤلاء كبيرة ولا يستهان فيها، على ضوء موجات العودة المستمرة للكثير من المناطق التي فسح المجال أمام أهلها للعودة إليها بعد طول انتظار، فكل زيادة سعرية بالنسبة إليهم تعتبر مرهقة وفوق طاقتهم، ما يمنع أو يحد من إمكانية عودتهم واستقرارهم مجدداً في بيوتهم، أو التأخر بذلك على أقل تقدير!
السبب ارتفاع أسعار حوامل الطاقة!
بحسب مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت، نقلاً عن بعض وسائل الإعلام، فإن: «تكاليف الإنتاج ارتفعت عدة مرات منذ عام تقريباً إضافة لصعوبة تأمينها، ومثال على ذلك ارتفاع أسعار الفيول بنسبة ٧٠٪ وكذلك المازوت الصناعي وسعر الصرف وكلها أسباب أدت إلى بيع المادة بخسارة مما دعا إلى ضرورة رفع السعر بما يوازي التكاليف ويتيح توفير المادة ضمن حدود الطاقة الإنتاجية لمعامل الإسمنت».
وبحسب مدير التكاليف والتحليل المالي في وزارة الصناعة، نقلاً عن إذاعة ميلودي إف إم، فإن: «سبب رفع سعر الإسمنت هو ارتفاع التكاليف بنسبة 81% منذ آخر تسعيرة للإسمنت العام الماضي، لافتاً إلى أن هذا الارتفاع انعكس من خلال التعديل الأخير على الأسعار بنسبة 75%، وأضاف، إن حوامل الطاقة تشكل 61% من تكلفة الإسمنت (كهرباء 16%، فيول 44%، زيوت) لافتاً إلى أن الكهرباء ارتفعت من 300-450 للكيلو واط، والفيول ارتفع من 1200 وصولاً إلى 2000 ليرة للكيلو، مع العلم أن هذه الأسعار مدعومة. وأشار إلى أن هذه الارتفاعات المستمرة مع عدم تعديل سعر الإسمنت كبّد الشركات تكلفة كبيرة وتحملت هذه الزيادات المرهقة على مدار عام كامل، وكان الإسمنت يباع في بعض الأحيان بسعر أقل من التكلفة كما تكبدت الشركات خسائر تقدر ب 50 مليار ليرة، لذا لم يكن هناك خيار إلا التوقف عن الإنتاج أو الرفع».
مبررات المؤسسة العامة للإسمنت ووزارة الصناعة بحسب ما ورد أعلاه تبدو واقعية ومنطقية، وخاصة بما يتعلق بارتفاع التكاليف المرتبطة بارتفاع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء وحوامل الطاقة، التي لا يد لهم فيها، وصولاً إلى حد الخيار بين التوقف أو الاستمرار في العمل والإنتاج!
فهل يجدي ذلك نفعاً في ظل استمرار الارتفاعات السعرية على حوامل الطاقة؟!
التعميم مبرر والسلسلة قيد الاستكمال!
لعل الأمر استناداً للتكاليف المرتبطة بأسعار حوامل الطاقة لن يقف عند حدود زيادة أسعار الإسمنت الحالية فقط، فمن المتوقع أن يتم استكمال سلسلة رفع الأسعار من قبل بقية الجهات العامة، سواء المنتجة على سلعها وموادها، أو التجارية والخدمية، وبنسب تأثير متغيرات أسعار حوامل الطاقة على تكاليفها، لتُستكمل هذه السلسلة تباعاً على أسعار كل السلع والمواد والخدمات في البلاد، وإلا فخيار التوقف والتعطل هو البديل!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أمر التوقف والتعطل رهن بعتبة سعرية فاصلة مرتبطة بعوامل ونسب الاستهلاك العام التي تنخفض معدلاتها تباعاً، ما يعني أن استمرار الوضع على ما هو عليه يدفع بثقله باتجاه التوقف والتعطل الاقتصادي العام دون أدنى شك!
السياسات الكارثية!
بعد كل ما سبق ليس بجديد القول إنّ جزءاً هاماً من مسؤولية الارتفاعات السعرية تتحملها السياسات الحكومية بشكل مباشر، وخاصة ما يتعلق بسياسات تخفيض الدعم عن المشتقات النفطية وحوامل الطاقة، واستمرار السير نحو استكمال تحرير أسعارها نهائياً من خلال سلسلة الزيادات السعرية المستمرة عليها، بالتوازي مع مسيرة الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في قطاعاتها، بغض النظر عن كل الانعكاسات السلبية الكارثية لذلك على كل النشاط الاقتصادي في عموم البلاد (الصناعي والزراعي والتجاري والخدمي والسياحي و..)، العام أو الخاص، مع كل ما يترتب على ذلك من كوارث وأزمات، قديمة ومستجدة، يدفع ضريبتها المواطن والاقتصاد الوطني عموماً، والذي أصبح يسير نحو السكتة القلبية والتوقف بخطا أكثر تسارعاً، وهو ما سبق التحذير منه مراراً وتكراراً عبر صفحات قاسيون مع كل مستجد بخصوص زيادة أسعار المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية وكل حوامل الطاقة!
ومن المؤكد أنه لا خلاص من كل النتائج الكارثية المستمرة تفاقماً وتعمقاً ما لم يتم الانتهاء من جملة السياسات التدميرية المتبعة بحق البلاد والعباد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1125