القطاع الزراعي بين المطالب الملحة والسياسات الظالمة!
طُرحت، خلال أعمال مجلس الاتحاد العام للفلاحين المنعقد بتاريخ 28/5/2023، الكثير من القضايا والمطالب والهموم والصعوبات الخاصة بالقطاع الزراعي، وذلك عبر المداخلات التي تقدم بها رؤساء فروع الاتحاد في المحافظات.
حضر جلسات أعمال المجلس رئيس الحكومة، ووزراء الزراعة والموارد المائية والصناعة، بالإضافة للعديد من المسؤولين الحكوميين، الذين استمعوا للمداخلات، مستعرضين بعض التوجهات الحكومية الخاصة بالقطاع الزراعي كردود.
ويمكن القول: إن ما تم طرحه من قضايا ومطالب على مسمع الحكومة والرسميين لم يكن جديداً، فغالبيتها مزمنة ومكررة دون حلول، وكذلك كانت الردود الرسمية عامة وفضفاضة ومكررة، لتكرس واقع التراجع المستمر لهذا القطاع الهام والحيوي على كافة المستويات!
مطالب مزمنة ومكررة!
فيما يلي أهم المطالب بحسب المداخلات التي تقدم بها رؤساء اتحادات المحافظات:
تأمين الكميات الكافية من المازوت الزراعي والأسمدة للمحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة.
تأمين الكميات الكافية من الأعلاف لمختلف القطعان.
تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ومعالجة مشكلة ارتفاع أسعارها.
تأمين آليات زراعية لاستصلاح الأراضي.
تسعير المحاصيل الزراعية وفق التكلفة الفعلية.
تسويق المنتجات الزراعية بالشكل المناسب.
تحديد أسعار الأدوية البيطرية وضبطها.
إنشاء مجففات للذرة.
تأمين الغراس لتعويض الأراضي التي تضررت بفعل الصقيع والحرائق.
تأمين مضخات الري بالطاقة بشكل دائم في حلب وإصلاح الجسور في المحافظة.
إعادة تأهيل الصوامع لتخزين قمح الدوغما.
إعادة تأهيل سهول تادف والباب.
السماح باستيراد الجرارات.
تفعيل مركز تجميع الحليب في نبع الصخر بالقنيطرة.
تشجيع صناعة الألبان والأجبان.
إنشاء محطة معالجة للاستفادة من المياه المالحة في ري المزروعات.
حل مشكلة نقل الأغنام من مكان إلى آخر.
تكثيف الدوريات لمنع الري بالصرف الصحي بريف دمشق.
تأمين بذار البطاطا خلال العام القادم بكميات كافية.
دراسة تسعيرة التبغ بداية جني المحصول.
زيادة ساعات التغذية للبيوت المحمية خاصة خلال فترة الري.
تشجيع مزارع القبار في منطقة المخرم.
حل مشكلة عدم السماح بنقل التبن.
تسوية وضع الآبار المخالفة.
تشميل حرائق القمح بقانون صندوق التخفيف من آثار الجفاف.
معالجة تأخير وصول قيم الأقماح إلى المصارف.
إعادة تنفيذ الطرق الزراعية من قبل وزارة الزراعة بدل الخدمات الفنية.
إصلاح السدود في الغاب.
ترميم الأقنية المائية.
العدالة في توزيع المياه عبر قنوات الري.
تعتبر جملة المطالب أعلاه وغيرها الكثير محقة وملحة، وهي بمجموعها تكثيف لجزء من المعاناة المستمرة للفلاحين فقط لا غير، مع التأكيد على أن عدم حلها يشكل إعاقة للعاملين في القطاع الزراعي، ولكل الإنتاج الزراعي (النباتي- الحيواني) عموماً، ليس من أجل تطويره وزيادة إنتاجيته، وهو ممكن ومتاح بحال توفرت النية الرسمية في ذلك، بل من أجل الحفاظ على ما تبقى منه بالحد الأدنى!
الحديث الرسمي.. عام وفضفاض ومكرر!
بحسب رئيس الحكومة، خلال حديثه أمام المجلس العام للاتحاد العام للفلاحين، أن: «تطوير القطاع الزراعي والحفاظ عليه ودعمه بكل مستلزمات العملية الإنتاجية من أولويات العمل الحكومي، وفي مقدمة اهتمامات المؤسسات الحكومية المعنية بالزراعة، والتي تواصل تقديم الإمكانيات المتوافرة لهذا القطاع المهم والحيوي».
ولم يغب عن رئيس الحكومة التذكير بانه: «يتم تقديم المازوت الزراعي للفلاحين بـ 700 ليرة لليتر، في حين تصل تكلفته الحقيقية إلى نحو 7500 ليرة».
أما وزير الزراعة والإصلاح الزراعي فقد أكد في تصريحه على «التعاون القائم بين الوزارة واتحاد الفلاحين، بما يخص إعداد الخطة الإنتاجية الزراعية سنوياً وتحديد مستلزمات الإنتاج، ومتابعة التنفيذ على المستوى الميداني، وهذه الخطة يتم اعتمادها من مجلس الوزراء، وتنفذ مباشرة للوصول إلى مرحلة التسويق، منوهاً إلى أهمية التشاركية في تأمين مستلزمات الإنتاج بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في القطاع الزراعي».
وبما يخص محصول القمح فقد أكد أن: «الحكومة عملت وبذلت كل الجهود المتاحة لتأمين مستلزمات الإنتاج وتوفيرها في الوقت المناسب، ودعم أسعار هذه المستلزمات بشكل كبير لزراعة أكبر مساحة ممكنة من هذا المحصول الاستراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي، مشيراً إلى أنه سيتم الأخذ بكافة المطالب المطروحة ومعالجتها بالشكل الأمثل».
فيما كشف وزير الصناعة عن: «وجود دراسة لإحياء مشروع استيراد الجرارات الزراعية الحديثة، وفيما يتعلق بمصانع الألبان والأجبان في القنيطرة، ممكن إعداد دراسة جدوى اقتصادية لهذه المشاريع، وبالنسبة لموضوع الحمضيات هناك دراسة لإنشاء معامل لتصنيع العصائر».
الحديث الرسمي أعلاه، معاد ومكرر وممجوج، وهو بجوهره إعلامي وترويجي، فهو مناقض للواقع والوقائع!
فالدعم أصبح خلبياً بظل تآكله، وفقاً لنهج تخفيض الدعم المستمر عموماً، ومستلزمات الإنتاج بغالبيتها متحكم بها من قبل كبار حيتان الاستيراد، وكذلك عمليات تسويق وبيع المنتجات الزراعية!
تيتي تيتي.. فقول الفصل للسياسات!
من المفروغ منه، أن كل ما تم طرحه من مطالب مكررة أعلاه، وهي جزء بسيط من معاناة الفلاحين اليومية وبكل موسم، هو بمسؤولية الحكومة وبعهدتها، كذلك يبدو واضحاً من الحديث الرسمي العام والفضفاض، أن قول الفصل بحلحلة جملة المشاكل والصعوبات التي يعاني منها القطاع الزراعي والعاملين فيه، هو بالتوجهات الحكومية وسياساتها الزراعية والاقتصادية عموماً!
فاستمرار الصعوبات وتكرار المطالب سنوياً دون حلول، أدى ويؤدي إلى استمرار تراجع القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وهو ما يتم تسجيله عاماً بعد آخر، ومواسماً متلاحقة للمحاصيل الزراعية، بما في ذلك المحاصيل الاستراتيجية، وأهمها تلك المرتبطة بالأمن الغذائي، مثل: القمح!
فمن النتائج الكارثية الملموسة للسياسات المتبعة، أن الفلاحين يتكبدون الخسائر في بعض المحاصيل موسماً بعد آخر، بما في ذلك محصول القمح، مما أدى ويؤدي إلى استبدال هذه المحاصيل بأخرى ذات جدوى اقتصادية أفضل بالنسبة إليهم، أو العزوف عن الزراعة وهجرة الأرض!
فمع استمرار العمل بنفس السياسات والنهج المتبع، فإن الأمر لن يقتصر على استمرار تراجع القطاع الزراعي فقط، بل إلى تكريس تقويض هذا القطاع وإنتاجه، وهو ما يتوافق عملياً مع مصالح القلة من كبار أصحاب الأرباح (مستوردين وتجار وفاسدين)، المستفيدون من هذه السياسات والمحميون من خلالها!
فلا حلول ناجزة لتذليل الصعوبات وتحقيق المطالب المحقة والملحة أعلاه، بما يخص القطاع الزراعي وإنتاجه إلا من خلال تغيير جملة السياسات الظالمة المتبعة تجاهه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1125