ماذا بقي في ملف الدعم؟!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

ماذا بقي في ملف الدعم؟!

تطالعنا الحكومة بين الحين والآخر بالحديث عن ملف الدعم، وعن الاعتمادات الكبيرة المرصودة في الموازنات سنوياً باسم هذا الملف، مع الكثير من التمنين فيه، وكأن تمويل هذه الاعتمادات تتأتى من جيوب وزراء الحكومة، وليس من جيوب المواطنين!

فماذا بقي من دعم ملموس بالنسبة للمفقرين؟

الدعم المباشر وغير المباشر!

الدعم وفق المنظور الحكومي مباشر وغير مباشر، وهو بالتالي كل الاعتمادات المرصودة في الموازنات السنوية على التعليم والصحة والكهرباء والنفط و.. ومخصصات المواد والسلع المقننة، وغيرها من الاعتمادات الأخرى على ما يبدو، وبحيث يبدو المبلغ المخصص بالليرات السورية تريليوني وكبير جداً!
فقد بين رئيس الحكومة خلال اجتماع مع أعضاء المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال منتصف أيار الماضي، أن الحكومة قدمت الدعم بقيمة تصل إلى 25 ألف مليار للمشتقات النفطية والتعليم والصحة والكهرباء!
فكل من قرأ المبلغ الكبير أعلاه تساءل عن حقيقته، فهو أكبر من إجمالي مبلغ الموازنة العامة للدولة نفسها لعام 2023 والبالغة 16,550 مليار ليرة، منها ما هو تحت عنوان الدعم الاجتماعي مبلغ وقدره 4,927 مليار ليرة فقط لا غير!
وبهذا الصدد، ربما تجدر الإشارة إلى أن جزءاً لا بأس به من الاعتمادات والمخصصات المالية السنوية تذهب تحاصصاً بالواقع العملي التنفيذي بين كبار أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين، وبحيث لا يصل للمفقرين إلا القليل منها بالملموس فقط!

مزيد من التراجع والتقليص!

بغض النظر عن حقيقة الرقم الكبير أعلاه، وعن المفردات الرقمية للاعتمادات المخصصة في الموازنات السنوية وتبويباتها، فإن الدعم غير المباشر يتقلص ويتراجع عاماً بعد آخر، كما يتم تقليص الإنفاق على قطاعاته أيضاً!
فالواقع الملموس يقول التالي:
قطاع الدولة الصحي بتراجع مستمر على مستوى خدماته ومستلزماته وكوادره!
وكذلك قطاع التعليم المتدهور عاماً بعد آخر، وخاصة على مستوى المدخلات والمخرجات!
وقطاع الطاقة الكهربائية وقطاع المشتقات النفطية من سيئ إلى أسوأ على طول الخط، إنتاجاً وتوزيعاً، كماً وسعراً!
مقابل ذلك هناك زيادة تغول الاستثمار الخاص بهذه القطاعات، بما في ذلك أشكال الخصخصة المباشرة وغير المباشرة فيها!
أما الدعم المباشر فهناك زيادة مستمرة في شرائح المستبعدين منه تباعاً، ناهيك عن إجراءات تخفيضه المستمرة!
ومع ذلك تستمر الحكومة بنهجها وسياساتها، المتمثلة بتخفيض الإنفاق العام الذي يمثل بجزء منه شكلاً من أشكال الدعم، مع الاستمرار بتقليص وتخفيض الدعم، وصولاً لإنهائه!

بقايا الدعم المباشر!

إن إجراءات التخفيض الجائرة على الدعم مستمرة، بتنوع أشكالها ومسمياتها، كماً وسعراً وزمناً، وسنقف فيا يلي عند حدود ما وصلت إليه بعض معايير الكم مما هو مدعوم، بحسب التالي:
المتبقي من دعم على رغيف الخبز التمويني أصبح بواقع رغيفين يومياً وسطياً لكل فرد فقط، ولمن تبقى من مستحقي الدعم طبعاً!
المتبقي من دعم على مادتي السكر والرز أصبح بواقع مخصصات سنوية تبلغ 4 كغ على دفعتين لكل فرد من مستحقي الدعم من كل مادة فقط لا غير!
المتبقي من دعم للغاز المنزلي أصبح بواقع 4 أسطوانات غاز سنوياً فقط لا غير، وذلك للأسر مستحقة الدعم!
المتبقي من دعم على مازوت التدفئة أصبح بواقع مخصصات 100 ليتر لكل أسرة من مستحقي الدعم سنوياً، والمسلم الفعلي منها بواقع 50 ليتر فقط!
المتبقي من دعم على الطاقة الكهربائية يتمثل بواقع تزود يومي يقدر وسطياً بساعتي وصل بأحسن الأحوال، بمختلف المدن والمناطق والبلدات، مقابل 22 ساعة قطع!
المتبقي من دعم على مازوت المواصلات، وبعد تعميم استخدام نظام التتبع الإلكتروني GPS، أصبح بواقع أقل من 10 ليتر يومياً، مع 6 أيام عمل فقط!
المتبقي من دعم على بنزين التكاسي أقل من 10 ليتر يومياً بشكل وسطي، وللسيارات الخاصة غير المستبعدة أصبح وسطياً بواقع 2 ليتر يومياً!
وبعد كل ذلك، تتباهى الحكومة بإجراءات تخفيض الدعم الجائرة المتبعة من قبلها تحت عنوان إعادة هيكلة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، وبما حققته من وفر بالنتيجة، دون أي اعتبار للنتائج الكارثية لذلك، وخاصة على حساب ومن جيوب الغالبية المفقرة!
فالواقع يقول: إنه مقابل هذا التخفيض الجائر والمجحف على الدعم من الناحية الكمية، يتم اللجوء اضطراراً إلى السوق السوداء لتأمين الاحتياجات الفعلية منها، بأسعارها الاستغلالية طبعاً، وعلى حساب ضرورات أخرى لا تقل أهمية عنها، وكل ذلك من جيوب وعلى حساب المواطنين بالنتيجة!

بين الضرورة وتوحش السياسات!

من الهام التذكير، بأن سياسات الدعم الحكومي ما هي إلا تغطية على التشوه المزمن بما يخص معادلة الأجور- الأسعار، التي تعتبر نتيجة للمعادلة الأكثر تشوهاً وتوحشاً والمتمثلة بضآلة حصة الأجور- مقابل ضخامة حصة الأرباح!
فالدعم المخصص من خلال بعض الاعتمادات في الموازنات السنوية للدولة على بعض القطاعات، والمواد والسلع، ما هو إلا جزء تعويضي بسيط للغالبية المفقرة، للتغطية والتعمية على حجم النهب والفساد الكبير، وحجم الأرباح التراكمية الكبيرة التي تصب في جيوب القلة القليلة من كبار أصحاب الأرباح سنوياً، المحميون بالسياسات المنحازة لمصلحتهم على طول الخط، بالضد من مصلحة الغالبية والمصلحة الوطنية!
مع العلم أن رقعة الدعم المتبقية أصبحت عاجزة، ومنذ زمن، عن تغطية موبقات السياسات المطبقة، فالجزء البسيط مما بقي من دعم كما هو مبين أعلاه، المضاف إلى الأجور الهزيلة والمتآكلة، لم يعد يكفي لضرورات الحد الأدنى من الغذاء للبقاء على قيد الحياة فقط، فكيف مع بقية الاحتياجات والضرورات!
فعلى سبيل المثال: إن الاعتمادات المخصصة للرواتب والأجور والتعويضات في موازنة عام 2023 تبلغ 2,114 مليار ليرة فقط، ومع إضافة مبلغ الدعم الاجتماعي في الموازنة البالغ 4,927 مليار ليرة، يصبح المبلغ الإجمالي هو 7,041 مليار ليرة، مع العلم أن ما يصل لأصحاب الأجور والمفقرين بالنتيجة أقل من ذلك المبلغ!
ومع استمرار مسيرة تخفيض الدعم الجائرة وفقاً للنهج الحكومي المتبع، بالتوازي مع استمرار السياسات الأجرية الظالمة، وبقية السياسات المنحازة الأخرى، فإن معدلات الفقر والعوز ستزداد متجاوزة حد الجوع، وهو ما نحن فيه عملياً كواقع ملموس، ومعزز بالأرقام والبيانات الرسمية وغير الرسمية، المحلية والأممية!
ولعله من المفروغ منه، أن حل جملة المشاكل الكارثية أعلاه كنتيجة، ليس باستمرار سياسات الدعم المعمول بها، بل بإعادة التوازن للمعادلات المشوهة أعلاه (أجور- أسعار، أجور- أرباح)، وبالتخلص من سياسات تخفيض الإنفاق العام، أي وبكل اختصار، بتغيير جملة السياسات الليبرالية التوحشية المتبعة منذ عقود!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1125